Translate

الأحد، 11 ديسمبر 2011

التعامـل مع الفتــــن

أضيف للموضوع هذا المقال الرائع عن كيفية التعامل مع الفتن
كتبه أبو عمر أكرم بن عبد الرحمن بن محمد آل تركي السلفي المصري المنوفي ليلة الجمعة 22/3/1432هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
1) ذكر بعض الأحاديث في الفتن
* عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "اسْتَيْقَظَ النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فقال: سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ من الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ من الْخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الْآخِرَةِ". رواه البخاري.

* عن عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم : "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كان يَدْعُو في الصَّلَاةِ: اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من عَذَابِ الْقَبْر،ِ وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ" رواه البخاري.

* عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَتَاهُ رَجُلَانِ في فِتْنَةِ ابن الزُّبَيْرِ فَقَالَا: إِنَّ الناس ضيعوا وَأَنْتَ ابن عُمَرَ وَصَاحِبُ النبي فما يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ، فقال: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، فَقَالَا: أَلَمْ يَقُلِ الله ]وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، فقال: قَاتَلْنَا حتى لم تَكُنْ فِتْنَةٌ وكان الدِّينُ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حتى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ، وزاد لعضهم: أَنَّ رَجُلًا أتى ابن عُمَرَ فقال: يا أَبَا عبد الرحمن ما حَمَلَكَ على أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل قد عَلِمْتَ ما رَغَّبَ الله فيه، قال: يا بن أَخِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ على خَمْسٍ إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ، قال: يا أَبَا عبد الرحمن ألا تَسْمَعُ ما ذَكَرَ الله في كِتَابِهِ:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ }، {وقاتلوهم حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}  ، قال: فَعَلْنَا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكان الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ في دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ حتى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فلم تَكُنْ فِتْنَةٌ، قال: فما قَوْلُكَ في عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، قال: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عنه وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عنه، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رسول اللَّهِ وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بيده فقال هذا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ" رواه البخاري.

* عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ : "وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حتى يَأْتِيَ على الناس يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، ولا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذلك، قال: الْهَرْجُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ" رواه مسلم.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أو يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ من الدُّنْيَا". رواه مسلم.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قالوا وما الْهَرْجُ قال الْقَتْلُ" رواه مسلم

* عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول اللهِ  في سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا من يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا من يَنْتَضِلُ وَمِنَّا من هو في جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعْنَا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لم يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلا كان حَقًّا عليه أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهم وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهم وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هذه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فيقول الْمُؤْمِنُ هذه مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فيقول الْمُؤْمِنُ هذه هذه فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ"، فَدَنَوْتُ منه فقلت له: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هذا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهْوَى إلى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وقال: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، فقلت له: هذا ابن عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يقول {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كان بِكُمْ رَحِيمًا }، قال: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قال: أَطِعْهُ في طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ"، رواه مسلم.



* عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ على الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حتى تَصِيرَ على قَلْبَيْنِ على أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلا ما أُشْرِبَ من هَوَاهُ". رواه مسلم.

كيفية التعامل مع الفتن

2) التزود بالطاعات والإكثار من الأعمال الصالحة حصن حصين من الفتن وزاد قوي في التصدي لها عند حلولها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال ستاً (أي اجتهدوا في الأعمال وسابقوا إليها) طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم (أي الموت)، أو أمر العامة (أي القيامة)" رواه مسلم. فأوصى عليه الصلاة والسلام بالاجتهاد في الأعمال الصالحة؛ بل والمسابقة إليها قبل حلول وقت الفتن، وستجدني أذكر دائما فتنة المسيح الدجال لأنها أعظم فتنة على مر الأزمنة فإن علمنا كيف النجاة منها فما دونها أهون إن شاء الله.

3) الحث على الائتلاف بين المسلمين وترك الخلاف والنزاع والفرقة، وأن الفتنة أعظم في وقت الخلاف منها في وقت الائتلاف، ويشهد لهذه الفائدة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق: "إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قِبَلِ المشرق في زمان اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض أربعين يوماً" رواه ابن حبان بإسناد صحيح. وعليه فلزوم الجماعة واجب حتمي في كل زمان خاصة وقت الفتن، يقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة"، رواه أحمد والترمذي، ويقول عليه الصلاة والسلام : "الجماعة رحمة والفرقة عذاب"، رواه ابن أبي عاصم. فالمخرج عند حدوث الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين، والجماعة ليست بالكثرة ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : "لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة"، ولذلك سطر السلف الصالح عبر التاريخ هذا المبدأ، وإن من طرق النجاة من الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين، قال حذيفة رضي الله عنه :" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير كنت أسأله عن الشر مخافة أن يد ركني، فقلت: يا رسول الله إنَّا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه  قال قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك هذا الخير من شر قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك  قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، رواه البخاري ومسلم، وعندما كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الحج مع عثمان رضي الله عنه ، وكان عثمان يتم الصلاة في منى وكان ابن مسعود يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في منى ركعتين. فقيل له: تقول هذا وأنت تصلي مع عثمان أربع ركعات  فقال: يا هذا الخلاف شر". رواه أبو داود، وعن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَدِيِّ بن خِيَارٍ أَنَّهُ دخل على عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنه وهو مَحْصُورٌ فقال إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ ما ترى وَيُصَلِّي لنا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فقال الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ الناس فإذا أَحْسَنَ الناس فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وإذا أساؤوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ". رواه البخاري.

4) الحذر والتحذير من الفتن قبل وقوعها، وهذا ظاهر في كل الأحاديث التي تحدثت عن الدجال، بل إن الأنبياء كل الأنبياء حذروا أممهم منه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب..." رواه البخاري ومسلم.

5) عدم الانخداع بالمظاهر خصوصاً وقت الفتن، بل وتحذير الناس من ذلك، ونلحظ ذلك في المظاهر الخادعة التي تصاحب الدجال، ومن ذلك: أن معه جنة وناراً، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وستأتيك أحاديث تدل على شيء من مظاهره الخادعة للعيان، لكن كل هذا بإذن الله تعالى، ولو تمعن المتمعن لما انخدع. قال ابن العربي رحمه الله: "في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النقص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه"، إذن لا يستطيع أن يدفع الضرر عن نفسه، فكيف يدفعه عن غيره!

6) ضرورة الابتعاد عن مواضع الشبهات والفتن، وألا يعتقد المرء أنه على قدرة في مواجهة الشبهات والفتن، وخصوصاً مع قلة العلم والدين، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع بالدجال فَلْينأَ عنه؛ فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات" رواه أحمد وأبو داود. فالبعد عن الفتن واجتنابها وعدم التعرض لها وعدم الخوض فيها مطلب شرعي في زمن الفتنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي من تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفُهُ وَمَنْ وَجَدَ فيها مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ"، رواه البخاري ومسلم، قال النووي رحمه الله تعالى: (معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها). ولقد حرص سلفنا الصالح عن البعد عن مواطن الفتن، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : "لا تقربوا الفتنة إذا حميت ولا تعرضوا لها إذا عرضت واضربوا أهلها إذا أقبلت". وقال محمد بن الحنفية: (اتقوا هذه الفتن فإنها لا يستشرف لها أحد إلا استبقته). وعن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه لقيه فذكر الفتنة فقال: "إن هذه الفتنة حيصة من حيصات الفتن من أشرف لها أشرفت له ومن ماج لها ماجت له".

7) لا يكفي تحذير الناس من الفتن؛ بل الواجب توضيح السبل للخلاص منها، وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من السبل للخلاص من الدجال؛ ومنها: .
أ ـ قراءة فواتح سورة الكهف: قال صلى الله عليه وسلم : "فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" رواه مسلم.

ب ـ قال عليه الصلاة والسلام : "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان: أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه؛ فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليه ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: (كافر) يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" رواه مسلم.

ج ـ التعوذ منه: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" رواه البخاري.
8) الفتنة ليست شراً محضاً، نقل الإمام النووي في شرح مسلم رحمه الله عن العلماء أنهم قالوا: "هذا من جملة فتنته التي امتحن الله به عباده ليحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه".

9) الحق لا بد أن ينتصر وتُنهى الفتن ويظهر الحق، وفتنة الدجال أعظم فتنة تمر على البشرية ثم تنتهي، وينزل عيسى عليه السلام ليهلك الدجال، كما ثبت في صحيح مسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ... فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه" رواه مسلم.
10) أهمية العلم الشرعي في مواجهة الفتن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج، قالوا:وما الهرج يا رسول الله قال: القتل القتل" رواه الشيخان، وقال عليه الصلاة والسلام : "إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل"، رواه الشيخان، فالعلم الشرعي مطلب مهم في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط في هذه الفتن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم). فالمؤمن الذي يكشف زيف الدجال وكذبه مسلم متمسك بالعلم الشرعي المبني على الدليل الشرعي؛ لذا تجده يخاطب الدجال بلهجة الواثق: "فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه..." رواه البخاري. فنَسَبَ علْمَهُ بالدجال لعلمه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أعظم العلم الشرعي.

11) سؤال أهل العلم عما أشكل وخصوصاً وقت الفتن، ومن ذلك ما تكرر من أسئلة الصحابة رضي الله عنهم عن هذه الفتنة. فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم: "قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض قال: أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال "لا. اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض". ومن هذا الحديث أيضاً نرى حرص الصحابة على الصلاة وإقامتها في وقتها، ولم يرعهم وجوده وطول أيامه، بل كان همهم الأكبر أولا إقامة شعائر الدين.

12) الكثرة ليست دائماً دليلاً على الحق، والدجال باعتباره فتنةً عظيمة سيتبعه أناس كثيرون؛ فهل نقول إنه على الحق لا، بالطبع؛ فعلى المسلم أن يلزم الحق ولو كان وحده وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي r قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة" رواه مسلم. وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال خَرَجَ عَلَيْنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فقال عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النبي معه الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ معه الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ معه الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ ليس معه أَحَدٌ". رواه الشيخان، فها هو النبي وليس معه أحد فأين قومه كانوا هم الأكثر ومع ذلك فكان هو على الحق، وقومه على الباطل مع كثرتهم، وهذا مصداق لقول الله تعالى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ }.

13) التأكيد على أمور العقيدة من أهم المهمات:

أ ـ غرس توحيد الأسماء والصفات، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور" رواه البخاري ومسلم.

ب ـ إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة وعدم رؤيته في الدنيا، روى الإمام أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس وهو يحذرهم فتنة الدجال: "تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت".
ج ـ حسن الظن بالله جل وعلا : روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي: "ما يضرك منه" قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبلَ خبزٍ ونهر ماء. قال: "بل هو أهون على الله من ذلك". قال النووي في شرح مسلم رحمه الله: قال القاضي عياض رحمه الله: المعنى: وهو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم؛ بل إنه جعله له ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين ونحوهم، وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.

د ـ عظم التوكل على الله والالتجاء إليه، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } ، {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } ، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } ، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } ، وقال صلى الله عليه وسلم : "إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حُبُكٌ حُبُكٌ حُبُكٌ (متكسر من الجعودة) ثلاث مرات، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لستَ ربنا؛ لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك لم يكن له عليه سلطان" رواه أحمد.

14) أن يعطي كل أمر حقه من العناية، فينبغي أن يُحذَّر من الأمر الخطير بطريقة تختلف عن الأمر الأخف خطورة، وينبغي الأمر بالواجبات والفرائض بطريقة تختلف عن الحث على المسنونات والمستحبات، وللأسف فإن بعض الناس هداهم الله يجعل المكروه محرماً أثناء النهي، أو يجعل الصغيرة كبيرة، بل يتعدى بعضهم ذلك وذاك إلى أن يجعل أحد خوارم المروءة من المحرمات. وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحذر من الدجال بطرق وأساليب مختلفة متنوعة، ولماذا؛ لأن الدجال فتنة عظيمة! أي عظيمة! فهو يدَّعِي الربوبية، بل يظهر له من الفتن الشيء العظيم، ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم! فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه يقولان له: يا بني اتبعه؛ فإنه ربك. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، ويمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت، فتمطر حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظم، وأمده خواصر، وأدره ضروعاً" رواه ابن ماجه.

15) لا بد من التوضيح والبيان وقت الحاجة، لذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً دقيقاً في أكثر من حديث بينت صفته وأفعاله وكذبه، وما يحتاجه المسلم لمواجهته، ومن أشملها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنذرتكم فتنة الدجال؛ فليس نبي إلا أنذر قومه أو أمته، وإنه آدَمُ، جعدٌ، أعور عينه اليسرى، وإنه يمطر ولا ينبت الشجرة، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها ولا يُسلط على غيرها وإنه معه جنة ونار ونهر وماء وجبل خبز، وإن جنته نار وناره جنة، وإنه يلبث فيكم أربعين صباحاً يرد فيها كل منهل إلا أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى، وإن شكل عليكم أو شُبِّه، فإن الله عز وجل ليس بأعور" رواه أحمد.
16) الصبر والثبات على الحق، لا سيما مع ظهور الفتنة، وانظر إلى ذاك الرجل المؤمن الثابت الذي ما زاده فرقُه له فرقتين إلا بصيرة به وتكذيباً، ففي صحيح مسلم: "فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار (المنشار) من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائماً. قال: ثم يقول له: أتؤمن بي فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة". قال النووي في شرح مسلم رحمه الله نقلاً عن القاضي عياض: "فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره". قال الله جل وعلا : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }

17) الاهتمام بالنساء في الدعوة، والتأكيد على تعليمهن العلم الشرعي، والمرأة إذا لم تُرشد للخير فقد تنساق مع الشر، ومع قلة الدين في زمن ظهور الدجال تجد أن أكثر أتباعه النساء اللاتي يغتررن بالمظاهر والفتن والشبهات. أخرج الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه".

18) ربط الناس بالقرآن الكريم علما وعملا واعتقادا وتحاكما وتلاوة وتدبرا، قال الله : {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } ، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال"، وفي رواية: "من قرأ" رواه مسلم، فإذا كان القرآن يعصمك بإذن الله من الفتن العظيمة كالدجال والقبر، كما دلت على ذلك الأحاديث، فكيف بما هو دون ذلك.
19) الاعتصام بالكتاب والسنة، فإنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد التي حلت بها إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة ، لأن من تمسك بهما أنجاه الله ومن دعا إليهما هُدِيَ إلى صراط مستقيم. يقول الله تعالى : {واْعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } الآية. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ" رواه مسلم، في رواية غير مسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي"، وفي الحديث الصحيح المشهور: "وَسَتَرَوْنَ من بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فإن كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". ولما سئل علي رضي الله عنه عن المخرج من الفتن قال: "كِتَابُ اللَّهِ فيه نَبَأُ ما قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ ما بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ ما بَيْنَكُمْ هو الْفَصْلُ ليس بِالْهَزْلِ هو الذي من تَرَكَهُ من جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى في غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وهو الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وهو الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وهو الذي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ولا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ ولا يَشْبَعُ منه الْعُلَمَاءُ ولا يَخْلَقُ عن كَثْرَةِ الرَّدِّ ولا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وهو الذي لم يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أن قالوا {إنا سمعنا قرآنا عجبا } من قال بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ دَعَا إليه هدى إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: (لما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمره أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر ما المخرج  قال: كتاب الله).

20) الالتفاف حول العلماء، أولئك العلماء الربانيون أئمة أهل السنة والجماعة في وقتهم، فالالتفاف حولهم عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، وكيف لا وهم أنصار شرع الله والذين يبينون للناس الحق من الباطل والهدى من الضلال ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر"، رواه ابن ماجه، فلا بد من الالتفاف حولهم بحضور حِلَقِهِم العلمية وزيارتهم زيارات دورية حتى لا تنقطع علاقاتنا بهم، وحتى لا يجد أعداء الإِسلام فجوة يستطيعون الدخول عن طريقها للنخر في الإِسلام، وقد حدثت في التاريخ الإِسلامي فتن ثّبت الله فيها المسلمين بعلمائهم ومن ذلك ما قاله علي بن المديني رحمه الله: (أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة).

فيا شباب التوحيد التفوا حول علمائكم فإنهم القدوة، والمربّون وهم العون لكم بعد الله في هذا الطريق وفي هذه الفتن، فالزموهم وعيشوا في أكنافهم، وإياكم والوحدة فتتخطفكم الشياطين "فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، ولا تتركوا مجالاً لأعداء الإِسلام يبثوا سمومهم ومقالاتهم لزعزعة الثقة بين العلماء والمجتمع وبين العلماء وشباب الإسلام، وقد كان السلف الصالح عند تغير الأحوال يلتفون حول علمائهم. فعن بشير بن عمرو قال: (شيَّعنا ابن مسعود رضي الله عنه حين خرج، فنزل في طريق القادسية فدخل بستاناً فقضى حاجته ثم تؤضأ ومسح على جوربيه ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة). وها هو أبو مُوسَى رضي الله عنه يذهب إلى ابن مسعود ، فيقول له: يا أَبَا عبد الرحمن اني رأيت في الْمَسْجِدِ أنفا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ ولم أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الا خَيْرًا، قال: فما هو فقال: إن عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قال: رأيت في الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ في كل حَلْقَةٍ رَجُلٌ وفي أَيْدِيهِمْ حصا فيقول كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فيقول هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قال: فَمَاذَا قُلْتَ لهم قال: ما قلت لهم شيئا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أو انتظار أَمْرِكَ، قال: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أن يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لهم ان لَا يَضِيعَ من حَسَنَاتِهِمْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا معه حتى أتى حَلْقَةً من تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عليهم، فقال: ما هذا الذي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قالوا: يا أَبَا عبد الله حصا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قال: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ ان لَا يَضِيعَ من حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ما أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لم تَبْلَ وأنيته لم تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده إنكم لعلي مِلَّةٍ هِيَ أهدي من مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أو مفتتحوا بَابِ ضَلَالَةٍ، قالوا: والله يا أَبَا عبد الرحمن ما أَرَدْنَا الا الْخَيْرَ، قال: وَكَمْ من مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حدثنا "أَنَّ قَوْمًا يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وأيم اللَّهِ ما أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ" ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، قال عَمْرُو بن سَلَمَةَ أحد رواة الحديث: (رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يوم النَّهْرَوَانِ مع الْخَوَارِجِ).

21) التأني والرفق والحلم وعدم العجلة: فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ماهي عليه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :"إنه ماكان الرفق في شيء إلا زانه ولانزع من شيء إلا شانه"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس رضي الله عنه :" إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة". فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجد من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن. وعن حميد بن هلال قال: أتى مطرف بن عبد الله الحروريةُ يدعونه إلى رأيهم، فقال: يا هؤلاء إنه لو كانت لي نفسان تابعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى، فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى، وإن كانت ضلالة هلكت نفس وبقيت لي نفس، ولكنها نفس واحدة فأنا أكره أن أغرر بها)، وقال أيوب: قال مطرف: (لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير)، ولما أكره ابن الأشعث مسلم بن يسار في الخروج معه قابل مسلم أبا قلابة فقال له: يا أبا قلابة إني أحمد الله إليك إني لم أطعن فيها برمح، ولم أضرب فيها بسيف، ولم أرم فيهم بسهم. فقال له: يا أبا عبد الله كيف بمن رآك واقفاً فقال هذا أبو عبد الله، والله ما وقف هذا الموقف إلا وهو على الحق، فتقدم فقاتل حتى قتل قال: فبكى حتى تمنيت أني لم أقل شيئاً).

22) الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام، فمهما ادلهمت الظلمات ومهما اشتدت الفتن وأحدقت بنا فإن المستقبل لهذا الدين، يقول الله تعالى : {حَتَّى إِذَا اْسَتيئسَ الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء } ، ونحن نحتاج لهذا المبدأ كثيراً عند وقوع الفتن حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها وكلما ازداد الليل ظلمة أيقنا بقرب الفجر. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام، وزرع في قلوبهم الثقة بنصر الله وحده . جاء في حديث خباب بن الأرت عند البخاري أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه".، فَعَرْضُ أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام مهم في زمن الفتن والحوادث.
23) النظر في عواقب الأمور، ففي زمن الفتن ليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره ولا كل فعل يبدو لك حسناً تفعله، لأن القول أو الفعل زمن الفتنة يترتب عليه أمور، يفهم بعضهم أشياء لا تبلغها عقولهم ويبنون عليها اعتقادات أو أعمالاً أو أقوالاً لا تكون عاقبتها حميدة وسلفنا الصالح أحبوا السلامة في الفتن فسكتوا عن أشياء كثيرة طلباً للسلامة في دينهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين، أما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر: فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم"، قال أهل العلم كتم أبو هريرة رضي الله عنه بعض الأحاديث لأجل أن لا يكون هناك فتنة وخصوصاً بعد أن اجتمع الناس على معاوية بعد فرقة. ولما خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قائلا: من كان يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هذا الْأَمْرِ (أي أمر الخلافة بعد علي رضي الله عنهما ) فَلْيُطْلِعْ لنا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ منه وَمِنْ أبيه، قال حَبِيبُ بن مَسْلَمَةَ لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ، قال عبد اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بهذا الْأَمْرِ مِنْكَ من قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ على الْإِسْلَامِ، فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بين الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذلك فَذَكَرْتُ ما أَعَدَّ الله في الْجِنَانِ، قال حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ" رواه البخاري، وانتبه لكلام ابن عمر من علة سكوته: الفرقة، وسفك الدماء، وحمل كلامه على خلاف مايريد، وخشى ابن عمر كل هذا بسبب كلمة سيقولها: (أَحَقُّ بهذا الْأَمْرِ مِنْكَ من قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ على الْإِسْلَامِ)، هذه العواقب بسبب كلمة فكيف بالفعل، ثم يأتي البعض ويقولون الخروج يكون بالفعل دون القول، فأين هذا الفهم من فهم ابن عمر ولما حدَّث أنس بن مالك رضي الله عنه بحديث قتل الرسول للعرنيين زمن الحجاج أنكر عليه الحسن البصري؛ لأن الحجاج عاث في الدماء، وربما أخذ هذا الحديث وتأوله على صنيعه فكان الواجب كتم الحديث عن الحجاج. وعندما حوصر عثمان بن عفان رضي الله عنه في زمن الفتنة وقف بعض الصحابة يريدون الدفاع عنه كابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم، فقال رضوان الله عليه: "أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله"، ولو تركهم رضي الله عنه لمنعوه ولدافعوا عنه، ولكنه نظر إلى عاقبة الأمر وأنه ربما يحصل سفك دماء فاختار أن يكون خيرَ ابنيّ آدم.

24) الصبر، نحتاج إلى الصبر كثيراً، وخصوصاً عند الفتن. يقول الله تعالى :{ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } ، ويقول صلى الله عليه وسلم :"إن من ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن كالقابض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم أو خمسين منّا  قال: خمسين منكم "، وكما في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "كان يأمرنا إذا فزعنا بالصبر والجماعة والسكينة". وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث، فلما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة". وعن الزبير بن عدي قال: دخلنا على أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا، لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقال النعمان بن بشير رضي الله عنه : "إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً". وعندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة، ومثله ابن تيمية في زمانه وقد سجن بالشام ومصر ولقى من علماء زمانه وهم يدعون إلى عقيدة وحدة الوجود، فصبر واعتصم بالله ولم يفعل مثل ما فعل هذه الأيام.

25) الحذر من الإشاعات، لا شك أنه في وقت الفتن تنشط الدعاية وتكثر الإِثارة وهنا يأتي دور الإِشاعة. ومن المعلوم أن التثبت مطلب شرعي لقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ، ويقول عليه الصلاة والسلام : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع"، ولذلك حرص سلفنا الصالح على التثبت والحذر من الإشاعات ، قال عمر رضي الله عنه : "إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف". ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة، فلما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة وكانوا في أمان، أُشيع أن كفار قريش في مكة أسلموا فخرج بعض الصحابة من الحبشة وتكبدوا عناء الطريق حتى وصلوا إلى مكة ووجدوا الخبر غير صحيح ولاقوا من صناديد قريش التعذيب وكل ذلك بسبب الإِشاعة. وفي غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أشيع أنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة. وفي إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة.

26) لزوم الإنصاف والعدل في الأمر كله: فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف،ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى، يقول الله تعالى : {وإذا قلتم فاعدلواْ } ، وقال : {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ، فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم،لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به وبالتالي يكون عدلك وإنصافك في الفتنة منجياً بإذن الله تعالى. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (فأوصيكم أيها الأخوة بالعدل في الأمور كلها والموازنة بينها، والحكم للراجح فيها، والتسوية بينها في الحكم عند التساوي، وهذه قاعدة كبيرة يجب على العاقل أن يتمشى عليها في سيره إلى الله وفي سيره مع عباد الله ليكون قائماً بالقسط والله يحب المقسطين). وهذا هو نهج سلفنا الصالح في حرصهم على العدل والإنصاف، فهذه عائشة رضي الله عنها تقول في قصة الإفك: "وكان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عن أَمْرِي فقال: يا زَيْنَبُ ما عَلِمْتِ ما رَأَيْتِ، فقالت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي والله ما عَلِمْتُ عليها إلا خَيْرًا، قالت: وَهِيَ التي كانت تُسَامِينِي فَعَصَمَهَا الله بِالْوَرَعِ" رواه البخارري ومسلم.

27) عدم تطبيق ما جاء من الأحاديث في الفتن على الواقع، فمراجعة أحاديث الفتن تكثر في مجالس الناس ومنتدياتهم قولهم، بعلم وغير علم، وهاأنتم ترون الفضائيات يعرضون أمر الفتنة على كل الناس العدو والجاهل والمنافق، أما أهل العلم فلا، وقد قال الله جل وعلا : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } ، أما السلف الصالح رحمهم الله علمونا أن أحاديث الفتن لا تطبق على الفتن في وقتها وإنما يظهر صدق النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها، ولكن يحلو للناس تطبيق أحاديث الفتن على أوقات وأشخاص معينين، وهذا منهج خاطئ وليس من منهج أهل السنة والجماعة، ولكن أهل السنة والجماعة يذكرون أحاديث الفتن محذرين منها، ومباعدين المسلمين من القرب منها، ولكي يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذاً لسنا متعبدين بتطبيق أحاديث الفتن على الواقع، ولكن ندع الواقع هو الذي ينطق، فإذا وقع الأمر قلنا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وأما أن يتكلف الإنسان في تأويل النصوص الشرعية من أجل أن تطابق الواقع فهذا لا يصلح وإن صلح للعلماء فلا يصلح لغيرهم.

28) الحذر من تسلل الأعداء بين الصفوف، ازدهرت في زمننا هذا تجارة المنافقين وراجت بضاعتهم، وكثر أتباعهم، فشيدوا مساجد الضرار هنا وهناك وذرفوا دموع التماسيح على الإسلام وأهله، وتظاهروا بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبسوا للناس جلد الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب. يقول الله تعالى : {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } ، وما نجح المنافقون في تحقيق أهدافهم وخططهم وفتكهم بالإسلام والمسلمين ابتداءً من عبد الله بن أبي ومروراً بالزنادقة الباطنيين وانتهاء بزنادقة عصرنا هذا، إلا بسبب قلة الوعي عند معظم المسلمين. والواجب على كل مسلم قادر أن يهتك أستار المنافقين ويكشف أسرارهم ويفضح أساليبهم وأوكارهم حتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، وأسوتنا في عملنا هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونهج سلف هذه الأمة في معرفة المنافقين وكيفية التعامل معهم. وكم قاست الأمة المسلمة عبر التاريخ من نكبات ونكسات بسبب مكر دعاة الشر ممن يريدون فتنة المؤمنين عن دينهم وأخلاقهم وإحداث القلاقل والفوضى.

29) التعوذ بالله من الفتن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله كثيراً من الفتن كما في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فذكر الحديث، وفيه : "يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون". وما كان النبي يتعوذ من الفتن لأنها إذا أتت لا تصيب الظالم وحده وإنما تصيب الجميع. وهذا أيضا منهج السلف الصالح في تعوذهم من الفتن، فعن عبد الله بن عامر قال: لما تشعب الناس في الطعن على عثمان رضي الله عنه قام أبي يصلي من الليل ثم نام، قال: فقيل له: قم فاسأل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها عباده الصالحين. قال: فقام فمرض فمارؤي خارجاً حتى مات.
30) شروط التغيير:

1) كون الوسائل المستخدمة في التغيير شرعية، فإن الله تعبدنا بالوسائل كما تعبدنا بالغايات، مثال ذلك وسيلة الصلاة الوضوء لا التيمم. فإن استخدمت وسيلة غير شرعية فهذا التغيير في نفسه منكر، وقصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم واضحة في ذلك.

2) كون راية التغيير إسلامية لا جاهلية، "من قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أو يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ"، "وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ من أُمَّتِي". عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني، فيقول الله له: لم قتلته، فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليس لفلان، فيبوء بإثمه". فلابد أن تكون الأهداف المعلنة لله ولرسوله ، لأن المقصود الشرعي من التغيير هو تحقيق وإقامة دين الله وشرعه.
3) كون عواقب التغيير مأمونة، الأولى: ألم يحدث انعدام للأمن نهبا وقتلا وهتكا، ولو لم يكن فيه إلا قوله صلى الله عليه وسلم: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على اللَّهِ من قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ"، لكفاه أسوأ عاقبة، الثانية: الفساد العام خاصة الاقتصادي، وقد قال الله عز وجل : {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } ، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } ، {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } ، الثالثة: من عواقب التغيير إطلاق الحريات لإزالة الظلم، أتدرون ماذا تعني إطلاق الحريات، الرابعة: الفرقة والاختلاف، وزد على ماذكرت قول ابن مسعود رضي الله عنه : "يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة". الخامسة: استغلال أعداء الإسلام هذه الفتن وتحريكها لإضعاف الأمة ومن ثم التمكين منها، أو ليتقدم بعرض مبادئه الضالة الكافرة ليكون إسوة لهؤلاء الفوضويين الذين خرب اقتصادهم وضعفت قوتهم وتفرق شملهم فلا يجدون ملاذا إلا اتباع الأعداء لإصلاح الحال العام الخرب، السادسة: جهل الكثير ممن يتحدث في الفتن بأبعادها ونتائجها وتحليلاتها، إنما هو يردد ما يسمعه من خلال وسائل الإعلام التي تمكن منها أعداؤنا فيتبنى الناس أراءهم ومناهجهم الفكرية الضالة دونما أي تحليل شرعي أو مستند من كتاب أو سنة، أو الرجوع إلى أهل الذكر، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }

31) من هم الشهداء:

* عن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ شَهِيدٌ" رواه أحمد وأبو داود، وابن حبان، والنسائي، والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وصححه الألباني، وذات الجنب: قرحة في الجنب، وأما المرأة تموت بجمع: بضم الجيم وكسرها، وقد تفتح: فهي المرأة تموت حاملاً، وقيل: هي التي تموت بسبب نفاسها.

* عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
* عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والْسُّلُ شَهَادَةٌ". رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني.

أقسام الشهداء:

الأول: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار مخلصاً لله مقبلاً غير مدبر.
الثاني: شهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من قاتل رياء أو سمعة، أو قُتل مدبراً، أو نحو ذلك.
الثالث: شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم من ذكروا في الأحاديث السابقة دون القتال في سبيل الله.
قال ابن عثيمين: (الشهادة في سبيل الله هو: أن يقتل الإنسان وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا الميزان، فلا تغتر بكلام الناس، كل مقتول حتى ولو قتل من أجل القومية والعروبة وما أشبه ذلك قالوا: شهيد، هذا ليس بصحيح، اسمع كلام البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب لا يقال فلان شهيد، بمعنى لا يقال لفلان شهيد إلا على من ثبت أنهم شهداء مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم  لما صعد الجبل في أحد اهتز الجبل فقال: "اسكن أو اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، ثم استدل البخاري رحمه الله بحديث "ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا إذا كان يوم القيامة يجيء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك"، أخذ البخاري من قوله عليه الصلاة والسلام : "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أنه لا يجوز أن نقول: فلان شهيد؛ لأن هذا علمه عند الله، وذكر صاحب فتح الباري أثراً (عن عمر رضى الله عنه أنه خطب وقال: "تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون قد أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد"، وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور). إذاً لا نقول لشخص معين: إنه شهيد حتى لو كان قتل في صفوف المسلمين وهو يقاتل الكفار، والله أعلم).

وقال في موضع آخر: (إن أمر النية أمر عظيم وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون بينهما كما بين السماء والأرض وذلك من أجل النية ألم يبلغكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، العمل واحد والمظهر واحد وهي الهجرة، لكن بين هذين المهاجرين كما بين السماء والأرض لاختلاف النية؛ لأن النية عليها مدار عظيم فعلينا أن نخلص النية لله من الأساس نتعلم أساليب الحرب لأجل أن نقاتل حماية لدين الله عز وجل وإعلاءً لكلمته وثقوا بأنه مادامت هذه النية هي النية التي ينويها المقاتل مع صلاح عمله واستقامة حاله فإن الله تعالى سوف يكتب له النصر فإذا نصر الإنسان ربه فإن الله قد ضمن له النصر كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ،
 وهنا مثلان يجب أن نأخذ منهما عبرة:

الأول: في اعتماد الإنسان على نفسه وقوته فإنه متى اعتمد الإنسان على نفسه وقوته خذل مهما كان انظروا إلى ما وقع من المسلمين في غزوة الطائف غزوة حنين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم باثني عشر ألفا إلى ثقيف وهوازن فقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، أعجبوا بكثرتهم وأنهم لن يغلبوا بسبب الكثرة فماذا حصل هزموا بثلاثة آلاف وخمسمائة نفر ولهذا ذكرهم الله عز وجل إن إخلاص النية أمر مهم لا تقاتل لأجل وطنك ولا تقاتل لأجل قومك، ولا تقاتل لأي أحد سوى وجه الله تعالى حتى تنتصر وحتى تنال الشهادة إن قتلت، حتى ترجع بإحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الظفر والسعادة إن الإنسان الذي يقاتل لغير الله فقد باء بالفشل وخسر الدنيا والآخرة، إن القتال لغير الله عزوجل غير مجدٍ شيئا من أزمنة طويلة وظهرت دعوى الجاهلية دعوى القومية فماذا أنتجت هذه القومية أنتجت تفريق المسلمين، وانضمام غير المسلمين إلى المسلمين بدعوى هذه القومية، بل إن القومية في حد ذاتها لم تجتمع ولا على قوميتها إننا نرى هؤلاء القوم ربما يقاتل بعضهم بعضا، وربما يعين بعضهم على الآخر عدوه لو كانت الراية راية الإسلام والقتال للإسلام لانضم إلينا أعداد هائلة من المسلمين الذين نعلم أن عندهم من تحقيق الإيمان والعمل الصالح ما يفوق كثيرا من الناس، ولهذا من الممكن أن ينظر الإنسان في أمره ويفكر هل هو على نية سليمة أو على نية غير سليمة، إذا كان على نية سليمة فليحمد الله ويستمر، وإذا كان على نية غير سليمة فليَعُد فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فالقتال لأجل إعلاء كلمة الله هو الذي ينال به الإنسان إحدى الحسنيين إما الظفر وإما الشهادة.
إن الإنسان لا يقاتل من أجل وطنه ولكن إذا أراد أن يقاتل دفاعا عن الوطن لأنه وطن إسلامي فحينئذ تكون نيته سليمة ويكون قتاله لتكون كلمة الله هي العليا لأنه يقول: أنا لا أقاتل لأجل وطني من حيث إنه التراب الذي عشت فوقه، ولكن لأنه وطن إسلامي يشتمل على أمة إسلامية يجب علي أن أدافع عنه، وبهذا تكون نية سليمة لكن يجب أن يركز الإنسان على أن أصل ذلك هو القتال لأجل دين الله، وإذا تأملنا قول الله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } ، تبين لنا أن الذي يظهر إنما هو الدين، فمن قام بهذا الدين فإنه سوف يظهر على عدوه، لأن كل من تمسك بالدين فإنه لا بد أن يظهر على غيره من الذين تمسكوا بدين سواه ولقد قدم أبو سفيان إلى الشام في جماعة له للتجارة أرسل هرقل ملك الروم إليهم ودعاهم إلى مقره ليسألهم عن حال هذا النبي , فلما أجابه أبو سفيان بما أجابه قال له أي هرقل : (إن كان ما تقول حقا فسيملك ما تحت قدمي هاتين). فهل كان ما توقعه ملك الروم والجواب نعم إن النبي صلى الله عليه وسلم ملك ما تحت قدميه لكنه لم يملكه بشخصه في حياته بل ملكته دعوته ملكته أمته الذين دعوا بدعوته وأصلحوا الناس برسالته حتى ملكوا مشارق الأرض ومغاربها وإني والله واثق كل الثقة أن لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا من صدق المعاملة مع الله ومع عباد الله ليمكنن الله لنا في الأرض وأننا ما خُذلنا إلا بأسباب ما نحن عليه من المخالفات في الواجبات والوقوع في المحرمات ليشمل ذلك الذكور والإناث، الصغير والكبير إلا من عصم الله ولكن العبرة بالأمة لا بالفرد الواحد فإن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
المثل الثاني: في غزوة أحد كان النصر في أول الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن حصل منهم معصية واحدة وهي مخالفة الرماة جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، في ثغر من الجبل، لكن القوم لما رأوا أن المسلمين هزموا الكفار ظنوا أن لا رجعة للكافرين فتقدموا يقولون: الغنيمة، الغنيمة فماذا حصل حصل أن استشهد من المؤمنين سبعون رجلا، وجرح الرسول صلى الله عليه وسلم في وجنته وكسرت رِباعيته وأغمي عليه، وحصل ما حصل من التعب والمشقة والجراح ولكن لله تعالى الحكمة في ذلك، ذكرهم الله بهذا في قوله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ، أين جواب الشرط، حذف ليذهب الذهن كل مذهب في تقديره، يعني حصل ما تكرهون وحصل كذا وكذا، مما يمكن الذهن أن يقدره من خلال ما وقع في هذه الغزوة. إذا كان الأمر كذلك في جند من خير القرون، فإن خير قرون بني آدم : هم الصحابة رضي الله عنهم وحصل أيضا مع خير رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بمعصية واحدة فما بالكم إذا كانت المعاصي كثيرة إننا إذا أملنا النصر مع كثرة المعاصي فما هي إلا أمنية مبنية على غير حقيقة، لا بد أن نطهر أنفسنا أولا، وأن نرجع إلى الله  وأن نعمل عملا صالحا حتى نستحق النصر يقول الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . فمن الذين ينصرون الله {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } استقاموا في أنفسهم وحاولوا إقامة غيرهم، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة استقامة لأنفسهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها محاولة إصلاح غيرهم، فهل هذا موجود الآن في أكثر الجيوش الإسلامية. الجواب نقولها: وهي مُرُّة لكن ما وافق الحقيقة فهو حلو نقول: هذا غير موجود إلا أن يشاء الله. كيف كانت حال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما دخل مكة فاتحا مظفرا منصورا كان عليه الصلاة والسلام  خاضعا الرأس يردد قوله تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } ، يردد كلام الله لا يردد أنشودة ولا أغنية ولم يصحب أحدا يغني معه، فيجب علينا مع الإخلاص أن نستقيم في أمرنا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ، لا بد من الاستقامة ولا يكفي أن نقول: ربي الله ولا أن تؤمن. ولهذا يقدم الله العمل أحيانا على الإيمان {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }).
32) ملاحظات على الثورات:
* لم ترفع في التظاهرات أي راية تشير ولو بتلميح للإسلام من قريب أو بعيد.
* النمط واحد من أول الثورة إلى آخرها في كل بلد قامت فيه مع اختلاف يسير.
* وحدة الشعارات والمطالبات في جميع البلاد.
* الكثرة الكاثرة من المتظاهرين شباب من 17 إلى 25، وأقلهم من يجوز ذلك.
* الاتفاق البيّن والتلاحم الواضح بين جميع الطوائف على اختلاف العقائد والمناهج.
* موقف دول الكفر من هذه التظاهرات.
* التدخل السافر خاصة من أمريكا في جميع التظاهرات بوجوب ضبط نفس الحكومات، وإجابة مطالب الثورة، مساعدة الثورة للإطاحة بالحكم، تجميد أرصدة المناهضين للثورة، وأخيرا تحريك الأساطيل تجاه البلاد الإسلامية.
* انتشار الوطنية والقومية وانعدام المرجعية الدينية بين المتظاهرين.
* ظهور مطالبات شديدة بإبعاد ماله أي صفة دينية عن الثورات، حتى ممن يظن بهم خيرا.
* تنازل بيّن من بعض الهيئات الدينية عن بعض مبادئها في سبيل إنجاح الثورة.
* تسمية بعض أيام التظاهرات بأسماء مستجدة (يوم الخلاص).
* عدم وجود قيادة واضحة ومحددة لجميع التظاهرات في جميع البلاد.
* قيام التظاهرات في البلاد الإسلامية فقط دون غيرها من بلاد الكفر.
* قيام التظاهرات في (ميدان التحرير) في كل بلد يكون فيها هذا الاسم أو ما شابهه.
* مطالبة المتظاهرين بتعديل الدستور واستفتاء الشعب عليه، والمشاركة في الحكم.
* إجماع الأمة على تحريم الخروج على الحاكم المسلم ولو كان جائرا ظالما بأخذ المال وجلد الظهر.
* جواز الخروج على الحاكم الكافر بشروط: 1رؤية 2الكفر 3البواح 4بالبرهان الرباني 5 ووجود القوة الغالبة 6ولزوم البديل.
* تحذير شباب الثورة وقيادتها من إجراء أي انتخابات حاليا مطالبين بتأخيرها عاما، وذلك بعد إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن الانتخابات البرلمانية في يونيو، والانتخابات الرئاسية في أغسطس، وتسليم السلطة للرئيس المنتخب في أكتوبر.

والله أسأل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعصمنا من شرور المحن، ويميتنا على السنن. والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق