Translate

الاثنين، 2 يناير 2012

الإمامــة » حصر الأئمة بعدد معين » سرية الإمامة » الخلاف في عدد الأئمة » الخلاف في أسمائهم »
منقول من غير تعديل المصدر موقع فيصل نور جزى الله القائمين عليه خير الجزاء الوقفــة الرابعة

الجواب الثاني ذكره الشيخ إبراهيم الكردى وغيره من اهل السنة أن ولاية الذين آمنوا غير مرادة في زمان الخطاب البتة بالإجماع ، لأن زمن الخطاب عهد النبي  والإمامة نيابة للنبوة بعد موت النبي ، فلما لم يكن زمن الخطاب مراداً لابد أن يكون ما أريد به زماناً متأخراً عن موت النبي  ، ولا حد للتأخير سواء كان أربع سنين أو بعد أربع وعشرين ، فقام هذا الدليل في غير محل النزاع ولم يحصل منه مدعى الشيعة وهو كون إمامة الأمير بلا فصل . وهذا بالنظر الإجمالى ، وإن نظرنا في مقدمات هذا الدليل بالتفصيل منعنا أولاً إجماع المفسرين على نزولها فيما قالوا ، بل أختلف علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية فروى أبو بكر النقاش صاحب التفسير المشهور ( 1 ) عن محمد الباقر  أنها نزلت في المهاجرين والأنصار . وقال قائل نحن سمعنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال الإمام : هو منهم . يعنى أن أمير المؤمنين داخل أيضاً في
-----------------------
( 1 ) لعله أبو بكر محمد بن زياد المقرئ الموصلى المعروف بابن النقاش ، له كتاب ( الموضح ) في التفسير توفى سنة 351 .
المهاجرين والأنصار ومن جملتهم ( 1 ) وهذه الرواية أوفق بلفظ (( الذين )) وصيغ الجمع في صلات الموصول وهي : (( يقيمون )) الصلاة ، و (( يؤتون )) الزكاة ، وهم (( راكعون )) . وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر ، ويؤيد هذا القول الآية السابقة الواردة في قتال المرتدين . وأما القول بنزولها في حق علي بن أبي طالب ورواية قصة السائل وتصدقه بالخاتم في حالة الركوع فإنما هو الثعلبي فقط وهو متفرد به ( 2 ) ولا يعد المحدثون أهل السنة روايات الثعلبي قدر شعيرة ، ولقبوه بحاطب ليل ، فإنه لا يميز بين الرطب واليابس ، وأكثر رواياته في التفسير عن الكلينى عن أبي صالح ( 3 ) ، وهي ما يروى في التفسير عندهم . وقال القاضى شمس الدين ابن خلكان في حال الكلينى : إنه كان من أتباع عبدالله بن سبأ الذى كان يقول : إن علي بن أبي طالب لم يمت وإنه يرجع إلى الدنيا وينتهى بعض روايات الثعلبي إلى محمد بن مروان السدى الصغير وهو كان رافضياً غالياً يعلمونه من سلسلة الكذب والوضع . وأورد صاحب ( لباب التفسير ) أنها نزلت في شأن عبداة ابن الصامت ( 4 ) إذ تبرأ من حلفائه الذين كانوا هوداً على رغم عبدالله بن أبي وخلافه فإنه لم يتبرأ منهم ولم يترك حمايتهم وطلب الخير لهم . وهذا القول أنسب بسياق الآية فإن سياقها  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء  لأن هذه الأية بعد تلك الآية . وقال جماعة من المفسرين إنها نزلت في حق عبداللع بن سلام . ونقول ثانياً : إن لفظ (( الولي )) تشترك فيه المعاني الكثيرة : المحب ، والناصر ، والصديق ، والمتصرف في الأمر . ولا يمكن أن يراد من اللفظ المشترك معنى معين إلا بقرينه خارجة ، والقرينة ههنا من السباق يعني ما سبق هذه الآية فهو مؤيد لمعنى الناصر ، لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها وإزالة الخوف عنها من المرتدين ، والقرينة من السياق – يعني ما بعد هذه الآية – معينة لمعنى المحب والصديق وهو قوله تعالى  يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا  الآية المذكورة ، لأن أحداً لم يتخذ اليهود والنصارى والكفار أئمة لنفسه ، وهم ما أتخذ بعضهم بعضاً إماماً ، وكلمة (( إنما )) المفيدة للحصر تقتضى هذا المعنى ايضاً لأن الحصر إنما يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع
---------------------------
( 1 ) وقد تقدم في هامش الصفحة 139 رواية أخرى لمحمد بن جرير الطبري عن محمد الباقر بهذا المعنى .
( 2 ) قال شيخ الإسلام ابن تيميه في رسالة ( مقدمة أصول التفسير ) ص 39 طبع المطبعة السلفية عند تنبيه على تفسير الرافضة هذه الآية بأن المراد بها علي بن أبي طالب : (( ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة )) . فالقصة إذن مكذوبة على كتاب الله من أصلها بإجماع أهل العلم ، وليست هذه بأول دسائسهم ولا بأخرها .
( 3 ) وكلاهما من صناديد التشيع .
( 4 ) وهذا ما نقلناه آنفاً عن الطبري من رواية محمد بن غسحاق عن أبيه عن عبادة t .
من المظان ، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف ، بل كان في النصرة والمحبة . وثالثاً إن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وهي قاعدة أصولية متفق عليها بين الفريقين ، فمفاد الآية حصر الولاية العامة لرجال معدودين داخل فيهم الأمير أيضاً لأن صيغ الجمع وكلمة (( الذين )) من الفاظ العموم أو مساوية لها باتفاق الإمامية كما ذكره المرتضى في ( الذريعة ) وابن المطهر الحلى في ( النهاية ) ، فحمل الجمع على الواحد متعذر ، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل ولا يصح ارتكابه بلا ضرورة . فإن قالت الشيعة إن الضرورة متحققة ههنا إذ التصدق على السائل في حالة الركوع لم يقع من أحد غيره ( 1 ) قلنا أين ذكرت في هذه الآية هذه القصة بحيث يكون مانعاً من حمل الموصول وصلاته على العموم ؟ بل جملة  وهم راكعون  معطوفة على الجمل السابقة ، وصلة للموصول ، أى الذين هم راكعون ، أو حال من ضمير يقيمون الصلاة . وأيا ما كان معنى الركوع فهو الخشوع لا الركوع الاصطلاحي . فإن قالت الشيعة حمل الركوع على الخشوع حمل لفظ على غير المعنى الشرعي في كلام الشارع وهو خلاف الأصل ، قلنا : لا نسلم ، كيف والركوع بمعنى الخشوع مستعمل في القرآن ايضاً كقوله تعالى  وأركعي مع الراكعين  مع أن الركوع الاصطلاحي لم يكن بالإجماع في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ، وقوله تعالى  وخر راكعاً  وظاهر أن الركوع المصطلح ليس فيه خرور وسقوط بل هو انحناء مجرد ولا يمكن الخرور مع تلك الحالة بخلاف الخشوع . وقوله تعالى  وإذا قيل لهم أركعوا لا يركعون  ، ولا يخفى أن المقصود من الآمر ليس مجرد الانحناء الذى هو ركوع اصطلاحي . ولما كان الخشوع معنى مجازياً متعارفاً لهذا اللفظ جاز حمله عليه بلا ضرورة أيضاً كما هو مقرر في محله . وأيضاً نقول حمل  يؤتون الزكاة  علي تصدق بالخاتم على السائل كحمل لفظ الركوع على غير معناه الشرعي ، فما هو جوابكم فيه فهو جوابنا في الركوع ، بل ذكر الركوع بعد إقامة الصلاة مؤيد لنا ومرجح لتوجيهنا حتى لا يلزم التكرار ، وذكر الزكاة بعد إقامة الصلاة مضر لكم إذ في عرف القرآن حيثما وقعت الزكاة مقرونة بالصلاة يكون المراد منها زكاة مفروضة لا التصدق مطلقاً . ولو حملنا الركوع على معناه الحقيقي لكان مع ذلك حالا من ضمير (( يقيمون )) الصلاة أيضاً وعاماً لجميع المؤمنين لأنه أحتراز عن صلاة اليهود الخالية عن الركوع ، وفي هذا التوجيه غاية اللصوق بالنهي عن موالاة اليهود الوارد بعد هذه الآية . وأيضاً لو كان حالا من  يؤتون الزكاة  لما بقى صفة مدح ، بل يوجب في مفهوم  يقيمون الصلاة  قصوراً بيننا ، إذ المدح والفضيلة في صلاة كونها خالية
---------------------------
( 1 ) بل ولم يقع منه ايضاً بإجماع أهل العلم .
عما لا يتعلق بها من الحركات ، لأن مبناه على السكون والوقار سواء كانت تلك الحركات قليلة او كثيرة ، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ولكن تورث قصوراً في معنى إقامة الصلاة البتة ، ولا يجوز حمل كلام الله تعالى على التناقض والتخالف ، ومع هذا لا دخل لهذا القيد بالإجماع لا طرداً ولا عكساً في صحة الإمامة ، فيتعلق حكم الإمامة بهذا القيد يلزم منه اللغو في كلام البارى تعالى كما يقال مثلاً إنما يليق بالسلطنة من بينكم من له ثوب احمر ، ولو تنزلنا عن هذه كلها لقلنا : إن هذه الآية إن كانت دليلاً لحصر الإمامة في الأمير تعارضها الآيات الأخر في ذلك ، فيجب الاعتداد بها ، كما يجب على الشيعة أيضاً أعتبار تلك المعارضات في إثبات الأئمة الأطهار الآخرين ، والدليل إنما يتمسك به غذ سلم عن المعارض ، وتلك الآيات المعارضات هي الآيات الناصة على خلافة الخلفاء الثلاثة المحررة فيما سبق . ومن العجائب أن صاحب ( إظهار الحق ( 1 ) ) قد أبلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح هذا الاستدلال بزعمه ، وليست كلماته في هذا المقام إلا قشوراً بلا لب بالمرة ، فمن جملة ما قال : إن الأمر بمحبة الله ورسوله يكون بطريق الوجوب والحتم لا محالة ، فالآمر بمحبة المؤمنين وولايتهم المتصفين بتلك الصفات المذكورة ايضاً بطريق الوجوب ، إذ الحكم في كلام واحد موضوعه متحداً ومحموله متحداً أو متعدداً ومتعاطفاً فيما بينهما ، لا يمكن أن يكون بعضه واجباً وبعضه مندوباً ، إذ لا يجوز أخذ اللفظ في استعمال واحد بالمعنيين ، فبهذا المقتضى تصير مودة المؤمنين وولايتهم المتصفين بتلك الصفات واجبة ايضاً ، وتكون مودتهم ثالثة لمودة الله ورسوله الواجبة على الإطلاق بدون قيد وجهة ، فلو أخذ أن المراد بالمؤمنين المذكورين كافة المسلمين وكل الأمة باعتبار أن من شأنهم الاتصاف بتلك الصفات لا يصح ، لأن معرفة كل منهم يكون متعذراًَ لكل واحد من المكلفين فضلاً عن مودتهم ( 2 ) ، وأيضاً قد تكون المعاداة لمؤمن بسبب من الأسباب مباحة بل واجبة . فالمراد به يكون المرتضى ( 3 ) أنتهى كلامه . وهو كما ترى يدل على مقدار فهم مدعية ، إذ مع تسليم مقدماته أين اللزوم بين الدليل والمدعى ؟ وأى استلزام له بالمطلوب ؟ لأن الحاصل على تقدير تعذر مودة الكل ثبوت مودة البعض مطلقاً لا معيناً فكيف يتعين أن يكون الأمير مراداً بذلك البعض ؟ لأن هذا التعيين وهو المتنازع فيه لم يثبت بعد بدليل ، ولا يثبت بهذه المقدمات المذكورة بالضرورة ، وثبوت ذلك لا يستلزم ثبوت المتعين ، فاستنتاج المتعين بدليل منتج للمطلق لا يكون
------------------------------
( 1 ) هو ملا عبد الله المشهدى الذى تكرر النقل عنه في ص 126 و ص 130 .
( 2 ) وبهذا المنطلق الشيعي السخيف تبطل أخوة المؤمنين بالإسلام المنصوص عليها في آية  إنما المؤمنون أخوة  وبيطل كل ما يترتب عليها من حقوق والتزامات وآداب وتعاون . لأن معرفة كل أخ مسلم لكل أخ مسلم متعذرة لكل واحد فيصبح هذا النص القرآنى وهذا القانون الإسلامي لغواً في قياسهم
( 3 ) أي سيدنا على دون سائر المؤمنين .
إلا جهلاً وحماقة ظاهرة . نعم يريدون بهذه الترهات ترويج دعاويهم عند الجهلة السفهاء ، وللناقش تلك المقدمات فنقول : لا يخفى على من له أدنى تأمل أن موالاة جميع المؤمنين من جهة الإيمان عامة بلا قيد ولا جهة ، وإنها في الحقيقة موالاة لإيمانهم دون ذواتهم ، ولو أنه يباح أو يجب عداوة بعض لبعض بسبب من الأسباب لم يكن للموالاة الإيمانية مضرة اصلا لاختلاف الجهة . ونحن نحكم الشيعة في هذه المسألة : إن أهل مذهبهم يتحابون فيما بينهم بجهة التشيع ، وتلك المحبة عامة بدون قيد وجهة ، ومع هذا قد يتباغضون ويعادى بعضهم بعضاً للمعاملات الدنيوية ، فهل تبقى موالاة التشيع بحالها أو لا ؟ فهموا من هذه الآية كون هذا المعنى محذوراً ومحالاً لأمكن لهم أن يغمضوا اعينهم عن القرآن كله ، وما يقولون في هذه الآية  والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله  وأمثالها ؟ ولو كانت الموالاة الإيمانية لجميع المؤمنين العامة للمطيع والعاصى ثالثة لمحبة الله ولرسوله فأية استحالة عقلية تلزمها ؟ نعم إنما المحذور كون أنواع الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة في الاصالة ، وليس الآمر كذلك ، إذ محبة الله تعالى هي أصل ، ومحبة رسوله بالتبع والمحمول العامة للمؤمنين يتبع التبع ، لم يبق بينها مساواة اصلاً ، واتحاد القضية في الموضوع والمحمول ههنا ليس متحققاً ، أما عدم الاتحاد في المحمول فظاهر ، وأما في الموضوع فلأن ما يصدق عليه وصفه بالأصالة غير ما يصدق عليه وصفه بالتبعية بناء على أن الولاية من الأمور العامة ، كما بين آنفاً ، بل غرضه منه ترهيب عوام أهل السنة بمحض التكلم باصطلاح أهل الميزان ( 1 ) لئلا يقدحوا في كلامه وليت\حترزوا عن القدح بظن أنه منطقى ، ولهذا قال هو متنبهاً على قبحه (( أو متعدداً ومتعاطفاً )) ولكن لم يفهم من هذا القدر أن هذه المقدمة القائلة بوجوب المولاة في صورة التعدد والعطف تكون ممنوعة ، لأن العطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهة الحكم مثاله من العقليات : إنما الموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض . ومن الشرعيات قوله تعالى  قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني  مع أن الدعوى على الرسول واجبة وعلى غيره مندوبة ولهذا قال الأصوليون : القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم وعدوا هذا النوع من الاستدلال في المسالك المردودة وإن تنزلنا عن هذا أيضاً فالأظهر أن اتحاد نفس وجوب المحبة ليس محذوراً وإنما المحذور الاتحاد في الرتبة والدرجة في الأصالة والتبعية وهو غير لازم وأيضاً قد جعل محبة المؤمنين من حيث الإيمان موقوفة على معرفة كل فرد منهم بخصوصه وليست كل كثرة
------------------
( 1 ) علم الميزان هو علم المنطق .
تمنع أن تلاحظ بعنوان الوحدة ولو كانت غير متناهية فضلاً عن غيرها مثلاً إذا قلنا : كل عدد هو نصف مجموع حاشيتيه إما فرد وإما زوج ففي هذا الحكم وقع التوجه إلى جميع مراتب الأعداد إجمالاً ولا شبهة أن مراتبها غير متناهية وفي قولنا : كل حيوان حساس وقع الحكم على جميع أفراد الحيوان مع أن أنواعه بأسرها غير معلومة لنا فضلاً عن الأوصاف والأشخاص فلا شعور لهذا القائل بالملاحظة الإجمالية التي تكون حاصلة للصبيان والعوام ولا يفرق بين العنوان والمعنون ولو لم يقبل هذه التقريرات ولم يضع إليها لكونها من العلم المعقول فنسأل عن المسلمات الدينية ونقول : إن ترك الموالاة من الكفار بل عداوتهم كلهم أجمعين من حيث الكفر واجبة أم لا ؟ فإن اختار الشق الأول يلزمه ذلك المحذور بعينه إذ معرفة كل منهم غير حاصلة فضلاً عن عداوتهم وإن آثر الشق الثاني فكيف يثبت عداوة يزيد وابن زياد وأمثالهما ؟ وبماذا يجيب عن الآيات القرآنية مع أن فرقة المؤمنين يكون معرفتهم وامتيازهم من جهة الإيمان حاصلة وأنواع الكفر ليست معلومة أصلاً حتى يمكن لنا أن نميز أنواع الكفار فضلاً عن أشخاصهم ؟ وأيضاً منقوض بوجوب موالاة العلوية الداخلة في اعتقادهم ومعرفة أشخاصهم وأعدادهم مع انتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها التي ليس تعذرها أقل من تعذر موالاة المؤمنين عموماً . ومن جملة ما قال إنه يظهر من بعض أحاديث أهل السنة أن بعض الصحابة التمسوا من الرسول  الاستخلاف كما ذكر في مشكاة المصابيح عن حذيفة قال : (( قالوا يا رسول الله لو استخلفت ؟ قال : لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأ كم عبد الله فأقرأوه )) رواه الترمذي وهكذا استفسروا منه  عن الحرى بالإمامة عن علي قال : (( قيل يا رسول الله من يؤمر بعدك ؟ قال : إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً في الدنيا راغباً في الآخرة وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أمينا لا يخاف في الله لومة لائم وإن تؤمروا علياً ولاأراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الصراط المستقيم )) رواه أحمد ، وهذا الالتماس والاستفسار يقتضي كل منهما وقوع التردد في حضرته  عند نزول الآية فلم يبطل مدلول (( إنما )) انتهى كلامه . ولا يخفى على العاقل ما فيه من الضعف والخروج عن الجادة إذ محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد . نعم لو وقع النزاع فيما بينهم بعد المشاورة في تعيين ولي الأمر وبيانه  لهم لتحقق مدلول (( إنما )) بأن ما وفرق ما بينهما . وعلى تقدير تسليم التردد من أين لنا العلم بكونه قبل نزول الآية أو بعده ولو كان قبل النزول فهل هو متصل أو منفصل ؟ ولو كان متصلاً فهل اتصاله اتفاقي أو سببي للنزول ؟ وليس للاحتمالات دخل في أسباب النزول لأنه ليس بأمر عقلي فلا يمكن إثباته إلا بخبر صحيح . على أنه لم يذكر أحد من مفسري الفريقين كون التردد سبباً للنزول فقد علم أنه لم يكن متصلاً وهكذا الحال لو كان بعد نزول الآية والظاهر أن الحديث الوارد ينافي كلمة (( إنما )) لأن جوابه  حين الاستفسار عمن يليق للخلافة فكأنه قال إن استحقاق ثابت لكل من هؤلاء الثلاثة البررة الكرام ولكن أشار  إلى تقديم الشيخين بتقديمهما في الذكر فالسؤال والجواب منه  ينافيان كون (( إنما )) في الآية مفيدة حصر الخلافة في المرتضى كرم الله تعالى وجهه وإلا فإن كانت الآية متقدمة يلزم الرسول للقرآن وإن كانت مؤخرة كون القرآن مكذوباً للرسول  ولا يمكن أن يدعي ههنا أن أحدهما ناسخ للآخر لأن كلا من الحديث والآية من باب الإخبار الذي لا يحتمل النسخ وأيضاً لا يعلم المتقدم منهما والعلم بتأخر الناسخ شرط في النسخ فحينئذ إذا لم يمكن الجمع بينهما لا يعمل بهما معاً فإن قالوا : إن الحديث من أخبار الآحاد فلا يصح التمسك به في مسألة الإمامة نقول وكذلك لا يجوز التمسك به في إثبات التردد والنزاع أيضاً ومع هذا فإن التمسك بالآية موقوف على ثبوت التردد والنزاع فتمسك الشيعة بهذه الآية كان باطلاً أيضاً لأن التمسك بالآية التي تتوقف دلا لتها على خبر الواحد لا يجوز في مسألة الإمامة أيضاً قال  في الحديث الأول إن الاستخلاف ترك الأصلح في حق الأمة فلو كانت آية  إنما وليكم الله  دالة على الاستخلاف الذي هو ترك الأصلح لزم صدور من الله تعالى وهو محال فالحديث الأول أيضاً لتمسكهم بهذه الآية في هذا الباب .
                ومنها (1) قوله تعالى  إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً  قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذه الآية : إن المفسرين ( أجمعوا ) على نزول هذه الآية في حق عل وفاطمة والحسن والحسين y وهي تدل عل عصمتهم دلالة مؤكدة وغير المعصوم لا يكون إماماً .
ولا يخفى أن المقدمات المذكورة ههنا مخدوشة كلها :
أما الأولى : - فكون ( إجماع المفسرين ) على ذلك ممنوعاً روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في نساء النبي  . وروى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق : إن قوله تعالى  إنما يريد الله ليذهب  الآية نزلت في نساء النبي  . والظاهر من ملاحظة سياق الآية وسباقها إنما هو هذا لأن أولها  يا نساء النبي لستن كأحد من النساء  إلى قوله  والحكمة  خطاب للأزواج المطهرات وأمر ونهي لهن فذكر حال الآخرين بجملة معترضة بلا قرينة ولا رعاية نكتة ومن غير تنبيه على انقطاع كلام سابق وافتتاح كلام جديد مخالف لوظيفة البلاغة التي هي أقصى الغاية في كلام الله تعالى فينبغي أن يعتقد تنزهه عن
       -----------------------
( 1 ) أي من الأدلة القرآنية التي تغالط الشيعة في أنها تدل على النص بالإمامة لما يذهبون إليه . وقد تقدم أول هذه الأدلة في ص 139 .
تلك المخالفة . وإضافة البيوت إلى الأزواج في قوله  بيوتكن  تدل على أن المراد من  أهل البيت  في هذه الآية إنما هو الأزواج المطهرات ، إذ بيته  لا يمكن أن يكون غير ما يسكن فيه أزواجه من البيوت وقال عبد الله المشهدي الشعي : إن كون البيوت جمعاً في بيوتكن وإفراد أهل البيت يدل على أن بيوتهن غير بيت النبي  ولو كن أهل البيت لو قع الكلام : أذكرن ما يتلى في بيتكن . انتهى كلامه . ولا يخفى ركاكة هذا الكلام وفساده لأن إفراد البيت في أهل البيت الذي هو اسم جنس ويجوز إطلاقه على كثير وقليل إنما هو باعتبار إضافته للنبي  فإن بيوت الأزواج المطهرات كلهن باعتبار هذه الإضافة بيت واحد وكون البيوت جمعاً في (( بيوتكن )) باعتبار إضافتها إلى الأزواج المطهرات اللائى كن متعدداته . وما قال هذا القائل بعد ذلك لا يبعد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال كما وقع قوله تعالى  قال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل  ثم قال بعد تمام هذه الآية  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة  قال المفسرون  وأقيموا الصلاة  عطف على  أطيعوا  انتهى كلامه . فهو أرك وأسخف من كلامه السابق فإن وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبى من حيث الإعراب الذي يتعلق بوظيفة النحاة يجوز بلا شبهة ولكن لا يضرنا لأن المغايرة ووقوع الأجنبى باعتبار موارد الآيات اللاحقة والسابقة تلزم فيما نحن فيه وهذا هو المنافي للبلاغة لا ذلك وما نقل عن بعض المفسرين من أن أقيموا الصلاة معطوف على أطيعوا الرسول فهو صريح الفساد إذ وقع لفظ وأطيعوا الرسول بعد أقيموا الصلاة أيضاً بالعطف فلزم عطف الشيء على نفسه إذ لا احتمال للتأكيد أصلاً لوجود حرف العطف . ثم قال كلاماً أشد ركاكة من الأول وذلك قوله (( إن بين الآيات مغايرة إنشائية وخبرية ، لأن آية التطهير جملة ندائية وخبرية وما قبلها وما بعدها من الأمر والنهي جمل إنشائية وعطف الإنشائية على الخبرية لا يجئ فإنه ممنوع )) ألا ترى أن آية التطهير ليست جملة ندائية بل النداء وقع بينهما وهو قوله سبحانه  أهل البيت  وعلى تقدير كونها ندائية كيف تكون خبرية لأن النداء من أقسام الإنشاء دون الخبر كما لا يخفى ومع هذا أين حرف العطف في آية التطهير ؟ كيف وهي تعليل للأمر بالإطاعة في قوله تعالى  وأطعن الله ورسوله  ووقوع تعليل الإنشائية بالخبرية في كل القرآن والأحاديث الشريفة وكلام البلغاء مشهور ، مثل : اضرب زيداً إنه فاسق أطعني يا غلام إنما أريد أكرمك . وإن أراد عطف  واذكرن  فما عطف عليه وهو  أطعن  و  قرن  والأوامر الأخر السابقة كلها جمل إنشائية فلا يلزم عطف الخبر على الإنشائية . ومن هنا قلة ممارسة علمائهم لعلم العربية وأما إيراد ضمير جمع المذكر في  عنكم  فبملاحظة لفظ الأهل ، فإن العرب تستعمل صيغ التذكير في المؤنث التي يلاحظونها بلفظ التذكير إذا أرادوا التعبير عنها بتلك الملاحظة وهذه قاعدة لهم في محاوراتهم وقد جاء هذا الاستعمال في التنزيل أيضاً كقوله تعالى خطاباً لسارة امرأة الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام  أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد  وقوله  قال لأهله امكثوا  حكاية لخطاب موسى  لامرأته وما روى في سنن الترمذي والصحاح الأخر أن النبي  دعا هؤلاء الأربعة وأدخلهم في عباءة ودعا لهم بقوله (( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً )) وقالت أم سلمة : أشركني فيهم أيضاً ، قال (( أنت على خير وأنت على مكانك )) فهو دليل صريح على أن نزولها كان في حق الأزواج فقط وقد أدخل النبي  هؤلاء الأربعة y بدعائه المبارك في تلك الكرامة ولو كان نزولها في حقهم لما كانت الحاجة إلى الدعاء ، ولم كان رسول الله  يفعل تحصيل الحاصل ؟ ومن ثمة يجعل أم سلمة شريكة في هذا الدعاء وعلم في حقها هذا الدعاء تحصيل الحاصل ؟ ولكن ذهب محققو أهل السنة إلى أن هذه الآية وإن كانت واقعة في حق الأزواج المطهرات فإنه بحكم (( العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب )) داخل في بشارتها هذه جميع أهل البيت وكان دعاؤه  في حق هؤلاء الأربعة نظراً إلى خصوص السبب ويؤيده ما ورد في الرواية الصحيحة للإمام البيهقي من مثل هذه المعاملة بالعباس وأبنائه أيضاً ويفهم منه أنما كان غرضه  بذلك أن يدخل جميع أقاربه في لفظة (( أهل البيت )) الواردة في خطاب الله تعالى : أخرج البيهقي عن أبي أسيد الساعدي قال : قال رسول الله  للعباس بن عبد المطلب (( يا أبا الفضل لا ترم منزلك أنت وبنوك غداً حتى آتيك فإن لي بكم حاجة )) فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال : السلام عليكم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . قال : كيف أصبحتم ؟ قالوا : بخير نحمد الله . فقال لهم : تقاربوا . فزحف بعضهم إلى بعض حتى إذا أمكنوا اشتمل عليهم بملاءة ثم قال (( يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي استرهم من النار كسترى إياهم بملاءتي هذه )) قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت وقالت : آمين آمين آمين . وروى ابن ماجه أيضاً هذا الحديث مختصراً ، والمحدثون الآخرون أيضاً رووا هذه القصة بطرق متعددة في اعلام النبوة . وما قال عبدالله المشهدي المذكور (( إن البيت بيت النبوة ، ولا شك في ان ( أهل البيت لغة شامل الأزواج بل للخدام من الإماء اللاتى يسكن في البيت ايضاً ، وليس المراد هذا المعنى اللغوى الوسعة بالاتفاق ، فالمراد من أهل البيت خمسة ىل العبا الذين خصصهم حديث الكنساء )) أنتهى كلامه ، وفيه أن المعنى اللغوي لو كان مراداً بهذه الوسعة لا يلزم محذور إلا ذلك العموم في العصمة الثابتة عند الشيعة بهذه الآية ، ولما لم يتفق أهل السنة مع الشيعة في فهم العصمة من هذه الاية لم يتفقوا معهم في نفي هذا العموم ، ولتخصيص أهل السنة العصمة بالرسول أبدلت الخمسة بالأربعة فتدبر . وأيضاً عدم كون المعنى اللغوي مراداً بهذه الوسعة من أجل أن القرائن الدالة من الأيات السابقة واللاحقة معينة للمراد ، وأيضاً يخصص العقل هذا اللفظ باعتبار العرف والعادة بمن يسكنون في البيت لا بقصد الانتقال ، ولم يكن التحول والتبدل والتحول بانتقالهم من ملك إلى ملك في الهبة والبيع والإجازة والإعتاق ، وإنما يدل التخصيص فائدة أخرى ظاهرة وهي ههنا دفع مظنة عدم كون هؤلاء الأشخاص في أهل البيت نظراً إلى أن المخاطبات فيها هن الأزواج فقط . واما الثانية فلأن دلالة هذه الأية على العصمة مبنية على عدة ابحاث : أحدها كون كلمة  ليذهب عنكم الرجس  أى محل لها من الأعراب : مفعول له ليريد أو مفعول به ؟ الثاني معنى (( أهل البيت )) ما هو ؟ الثالث أي مراد من (( الرجس )) . وفي هذه المباحث كلام كثير محله كتب التفاسير . وبعد اللتيا والتي إن كان ليذهب مفعول به وأهل البيت منحصرين في هؤلاء الأربعة والمراد من الرجس مطلق الذنوب فدلالة الآية على العصمة غير مسلمة بل هي تدل على عدمها إذ لا يقال في حق من هو طاهر أني أريد أن أطهره ضرورة امتناع تحصيل الحاصل . وغاية ما في الباب أنهم محفوظون من الذنوب بعد تعليق الإرادة بإذهابها ، قد ثبت ذلك بالآية على أصول أهل السنة لا على أصول مذهب الشيعة ، لأن وقوع مراد الله لزم إرادته تعالى عندهم ، فرب أشياء يريد الله وقوعها ويمنعه الشيطان من أن يوقع ذلك ! ولو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا : إن أذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية . وأيضاً لو كانت هذه الكلمة مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لأن الله تعالى قال في حقهم في مواضع من التنزيل  ولعكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون  وقال  ليطهركم به وليذهب عنكم رجس الشيطان  وظاهر أن إتمام النعمة في الصحابة كرامة زائدة بالنسبة إلى ذينك اللفظين ، ووقوع هذا  الاتمام أدل على عصمتهم ، لأن إتمام النعمة لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان . فليتأمل فيه تأملاً صادقاً لتظهر فيه حقيقة الملازمة وبيان وجهها وبطلان اللازم مع فرض صدق المقدم ، فالتخصيصات المحتملة في لفظ وإذهاب الرجس صارت هباءً منثوراً .
أما الثانية فلأن (( غير المعصوم لا يكون إماماً )) مقدمة باطلة يكذبها الكتاب وأقوال العترة . سلمنا ، ولكن ثبت من هذا الدليل صحة إمامة الأمير ، أما كونه إماماً بلا فصل فمن أين ؟ إذ يجوز أن أحداً من السبطين يكون إماماً قبله ولا محذور فيه ، والتمسك بالقاعدة التى لم يقل بها أحد دليل العجز ، إذ المعترض لا مذهب له .
                ومنها ( 1 ) قوله تعالى  قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى  فإنها لما نزلت قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجب علينا مؤدتهم ؟ قال : على وفاطمة وأبناؤها . فذكر الشيعة في تقديرها مقدمات فاسدة مؤيدة لمطلبهم وهي (( أهل البيت واجبوا المحبة ، وكل من كان كذلك فهو واجب الإطاعة ، فعلى واجب الإطاعة وهو معنى الإمام . وغير علي لا تجب فلا تجب إطاعته )) .
وأجيب عن هذا القياس الفاسد بأن المفسرين أختلفوا في المراد من هذه الآية أختلافاً فاحشاً ، فالطبراني والإمام أحمد رويا عن ابن عباس هكذا ، ولكن ردهما المحدثون بأن سورة الشورى بتمامها مكية ، ولم يكن هنالك الإمامان الحسن والحسين ، وما كانت فاطمة رضي الله تعالى عنها متزوجة بعلى t . وقد وقع في سند هذه الرواية بعض الغلاة من الشيعة ولعله حرف ذلك . والذى رواه البخارى عن ابن عباس أن القربى من بينه وبين النبي  قرابة ، وجزم قتادة والسدى الكبير وسعيد بن جبير بأن معنى الآية : لا أسألكم على الدعوة والتبليغ من أجر إلا المودة لأجل قرابتى بكم ، وهذه الرواية أيضاً في صحيح البخارى عن ابن عباس ، ومذكورة بالتفصيل أن قريشاً لم يكن بطن من بطونهم إلا وقد كان للنبي  قرابة بهم ، فيذكرهم تلك القرابة وأداء حقوقها بطلبه منهم لا أقل من ترك إيذائه وهو ادنى مراتب صلة الرحم ، فالاستثناء منقطع وقد أرتضى جمع من المفسرين المتأخرين كالإمام الرازى وغيره بهذا المعنى ، لأن المعنى الأول ليس مناسباً لشأن النبوة بل هو من شيعة طالب الدنيا بأن تفعل شيئاً ويسأل على ذلك ثمرة لأولاده وأقاربه ، ولو كان للأنبياء مثل هذه الأغراض لم يبق فرق بينهم وبين أهل الدنيا ويكون ذلك موجباً لتهمتهم فيلزم نقص الغرض من بعثتهم . وأيضاً المعنى الأول مناف لقوله تعالى  قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وإن أجرى إلا على الله  وقوله تعالى  أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون  وقوله تعالى  وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين  وغير ذلك من الآيات . وأيضاً حكى الله في سورة الشعراء عن أنبيائه المذكورين فيها نفى سؤال الأجر ، فلو سأل خاتم الأنبياء أجراً من الأمة تكون مرتبته دون مرتبة أولئك الأنبياء ، وهو خلاف الإجماع . وثانياً لا نسلم الكبرى وهي (( كل واجب المحبة فهو واجب الإطاعة )) وكذا لا نسلم هذه المقدمة (( كل واجب الإطاعة صاحب الإمامة التى هي بمعنى الرياسة العامة )) . فأما الأول فلأنه لو كان وجوب المحبة مستلزماً لوجوب الإطاعة يلزم أن يكون جميع العلويين واجبي الإطاعة ، لأن شيخهم ابن بابويه ذكر في كتاب ( الإعتقادات ) أن الإمامية (( أجمعوا )) على وجوب محبة
--------------------------
( 1 ) أى من الاستدلالات القرآنية في مغالطات الشيعة .
العلوية . وأيضاً يلزم أن تكون سيدتنا فاطمة رضي الله عنها إمامة بهذا الدليل ، وهو خلاف الإجماع . وأيضاً يلزم كون من هؤلاء الأربعة إماماً في عهد النبي  ، والسبطين إمامين في زمن خلافة الأمير ، وهو باطل بالاتفاق . وأما الثاني فلأن كل واجب الإطاعة لو كان صاحب الخلافة الكبرى يلزم أن يكون كل نبي في زمنه صاحب الخلافة الكبرى ، وهذا أيضاً باطل ، لأن شموئيل  كان نبياً واجب الإطاعة وكان طالوت صاحب الزعامة الكبرى بنص الكتاب .
وثالثاً لا نسلم أنحصار وجوب المحبة في الأشخاص الأربعة المذكورين ، بل يجب في غيرهم ايضاً : روى الحافظ أبو طاهر السلفى في مشيخته عن أنس قال : قال رسول الله  (( حب أبي بكر وشكره على كل أمتى )) . وروى ابن عساكر عنه نحوه . ومن طريق آخر عن سهل بن سعد الساعدى نحوه . وأخرج الحافظ عن عمر بن محمد بن خضر الملا في سيرته عن النبي  قال : (( إن الله تعالى فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، كما فرض عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج )) وروى ابن عدى عن أنس عن النبي  أنه قال (( حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر )) وروى الترمذي أنه أتي بجنازة رجل إلى رسول الله  فلم يصل عليه وقال (( إنه كان يبغض عثمان ، فأبغضه الله )) . وهذه الروايات لم يسلمها الشيعة لكونها في كتب أهل السنة فيثبت وجوب محبة الخلفاء الثلاثة بقوله تعالى  يحبهم ويحبونه  فإنه نزل في حق المقاتلين لأهل الردة بالإجماع ، والخلفاء الثلاثة كانوا سادة أولئك المجاهدين وقادتهم ، ومن كان الله يحبه فهو واجب المحبة . على أن قياسهم بعد تسليم صحة مقدماته لا يستلزم النتيجة المذكورة جزماً ، لأن صغراه (( أهل البيت واجبو المحبة )) وكبراه (( وكل واجب المحبة واجب الإطاعة )) وبعد ترتيبها على الشكل الأول حصلت النتيجة هذه (( أهل البيت واجبو الإطاعة )) لا تلك النتيجة . وهذه النتيجة عامة ، وثبوت العام لا يستلزم ثبوت الخاص بخصوصه ، والنتيجة العامة المذكورة ليست مطلوبة للمستدل ولا مدعاة بل محتملة له ، والمطلوبة غير حاصلة من الدليل فالتقريب غير تام . ولو فرضنا الاستلزام لا يحصل مدعاه أيضاً لأن كون الأمير إماماً بلا فصل غير حاصل من الدليل ، والحاصل كونه إماماً مطلقاً وهو غير مدعاه فلا يتم تقريبه أيضاً .
ومنها آية المباهلة ، وطريق تمسكهم بها أن قوله تعالى  فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم  ألخ ، لما نزل خرج النبي  من منزله محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن ، وفاطمة تمشى خلفه ، وعلي خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا . فقد علم بذلك أن المراد بأبنائنا الخمس الحسن والحسين وبأنفسنا الأمير ، وإذا صار الأمير نفس الرسول . وظاهر أن المعنى الحقيقى مستحيل ، فالمراد كونه مساوياً له ، فمن كان مساوياً لنبي الزمان فهو أفضل وأولى بالتصرف بالضرورة من غيره ، لأن المساوى للأفضل الأول ى بالتصرف يكون مثله ، فيكون إماماً ، إذ لا معنى للإمام إلا الأفضل الأولى بالتصرف .
وفي هذا التمسك خلل بوجوه : الأول – أنا لا نسلم أن المراد بأنفسنا الأمير ، بل المراد نفسه  ، وما قاله علماؤهم في إبطاله (( إن الشخص لا يدعو نفسه )) فكلام مستهجن ، إذ قد شاع وذاع في العرف القديم والجديد أن يقال دعته نفسه إلى كذا ، ودعوت نفسي إلى كذا ، فطوعت له نفسه قتل أخيه ، وأمرت نفسي ، وشاورت نفسي ، إلى غير ذلك ، من الإستعمالات الصحيحة الواقعة في كلام البلغاء ، فكان معنى  ندع أنفسنا  نحضر أنفسنا . وأيضاً لو قررنا الأمير من قبل النبي لمصداق  أنفسنا  فمن نقرره من قبل الكفار لمصداق  أنفسكم  في أنفس الكفار مع انهم مشتركون في صيغة (( ندعو )) ولا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله  تعالوا  . فعلم أن الأمير داخل في الأبناء حكماً ، كما أن الحسنين داخلان في الأبناء كذلك لأنهما ليسا بابنين حقيقة ، ولأن العرف يعد الختن من غير ريبة في ذلك . وأيضاً قد جاء لفظ (( النفس )) بمعنى القريب والشريك في النسب والدين كقوله تعالى  يخرجون أنفسهم من ديارهم  أى أهل دينهم ،  ولا تلمزوا أنفسكم  ،  لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً  فلما كان للأمير أتصال بالنبي  وسلم في النسب والقرابة والمصاهرة واتحاد في الدين والملة وكثرة المعاشرة والألفة بحيث قال في حقه (( على منى وأنا من علي )) وهذا غير بعيد ، فلا يلزم المساواة كما لا يلزم في الأيات المذكورة .
الثاني – أه لو كان المراد مساواته في جميع الصفات يلزم أشتراكه في خصائص النبوة وغيرها من الأحكام الخاصة به ، وهو باطل بالإجماع لأن التابع دون المتبوع . وأيضاً لو كانت الآية دليلاً لإمامته لزم كون الأمير لإماماً في زمنه  وهو باطل بالاتفاق ، وإن قيدوا بوقت دون وقت فالتقيد لا دليل عليه في اللفظ فلا يكون مفيداً للمدعى ، إذ هو غير متنازع فيه ، لأن أهل السنة يثبتون أيضاً إمامة الأمير في وقت دون وقت فلم يكن هذا الدليل قائماً في محل النزاع أيضاً.
ومنها قوله تعالى  إنما أنت منذر ، ولكل قوم هاد  قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بها : ورد في الخبر المتفق عليه عن ابن عباس عن النبي  أنه قال (( أنا المنذر وعلى الهادى )) ولا يخفى ضعفه لأن هذه رواية الثعلبي ، ولا اعتبار لمراوياته في التفسير ( 1 ) فكيف يستدل بها على الإمامة ؟ وعلى تقدير الصحة فلا دلالة لهذه الآية على إمامة الأمير ونفيها عن غيره أصلاً ، لأن كون رجل (( هادياً )) لا يستلزم أن يكون (( إماماً )) ولا نفى الهداية عن الغير ، وإن دل بمجرد الهداية على الإمامة تكون الإمامة المصطلحة لأهل السنة وهي بمعنى القدوة في الدين مرادة ، وهو غير محل النزاع ، قال الله تعالى  وجعلناهم أئمة يدهون بأمرنا لما صبروا  وقال
 ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر  إلى غير ذلك .
ومنها قوله تعالى  وقفوهم إنهم مسئولون  قالت الشيعة في الاستدلال بها : روى عن أبي سعيد الخدرى مرفوعاً أنه قال : وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية على بن أبي طالب . ولا يخفى أن نحو هذا التمسك في الحقيقة بالروايات لا بالآيات ، وهذه الرواية واقعة في فردوس الديلمى الجامع للأحاديث الضعيفة الواهية ، ومع هذا قد وقع سندها الضعفاء ، والمجاهيل الكثيرون بحيث سقطت عن قابلية الاحتجاج بها ، لا سيما في هذه المطالب الأصولية . ومع هذا فإن نظم الكتاب مكذب لها ، لن هذا الحكم في حق المشتركين بدليل  وما كانوا يعبدون من دون الله  والكفار والمشركون يكون السؤال لهم أولاً عن الشرك وعبادة غير الله تعالى لا عن ولاية علي ! وأيضاً نظم الكتاب يدل على أن السؤال يكون لهم بمضمون هذه الجملة الإستفهامية
 مالكم لا تناصرون ؟  توبيخاً وزجراً لا عن شئ أخر . ولهذا أجمع القراء على ترك الوقف على  مسئولون  ولئن سلمنا صحة الرواية وفك النظم القرآني يكون المراد بالولاية المحبة ، وهي لا تدل على الزعامة الكبرى التى هي محل النزاع . ولو كانت الزعامة الكبرى مرادة أيضاً لم تكن هذه الرواية مفيدة للمدعى ، لأن مفاد الآية وجوب اعتقاد إمامة الأمير في وقت من الأوقات وهو عين مذهب أهل السنة ، وقد أورد الواحدى في تفسيره هذه الرواية وفيها المتن هكذا عن ولاية علي وأهل البيت ، وظاهر أن جميع أهل البيت لم يكونوا أئمة عند الشيعة ، فتعين عند الشيعة ، فتعين حمل الولاية على المحبة إذ الولاية لفظ مشترك ويتعين أحد المعنيين أو المعاني
---------------------------
( 1 ) تقدم في ص 142 أن الثعلبي حاطب ليل . وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيميه في ص 15 من رده على البكرى على طائفة من المفسرين الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف والغث والسمين وذكر أسماءهم وأولهم الثعلبي ثم قال : (( فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم . ولا لهم خبرة بالمروى المنقول ، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما ، لكن منهم من يروى الجميع ويجعل العهدة عل الناقل كالثعلبي ألخ ))
للمشترك بالقرائن الخارجية ، وبالجملة إن السؤال عن محبة الأمير وإمامته قائل به أهل السنة ولا نزاع فيه بين الفريقين ، وإنما النزاع في ان الأمير كان إماماً بلا فصل ولم يكن أحد من الصحابة مستحقاً للإمامة ، ولا مساس لهذه الآية بهذا المطلب ، فالتقريب غير تام .
ومنها  السابقون السابقون أولئك المقربون  قالت الشيعة : روى عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال : السابقون ثلاثة ، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين ، والسابق إلى محمد  علي بن أبي طالب t . ولا يخفى أن هذا أيضاً تمسك بالرواية ، ومدار إسناد هذه الرواية على أبي الحسن الأشقر وهو ضعيف الإجماع ، قال العقيلى : وهو شيعي متروك الحديث ، ولا يبعد أن يكون هذا الحديث موضوعاً إذ فيه من إمارات الوضع أن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى بل برسله كما يدل عليه نص الكتاب ، وكل حديث يناقض مدلول الكتاب في الأخبار والقصص فهو موضوع كما هو المقرر عند المحدثين . وأيضاً أنحصار السباق في ثلاثة رجال غير معقول فإن لكل نبي سابقاً بالإيمان به لا محالة . وبعد اللتيا والتى أية ضرورة أن يكون كل سابق صاحب الزعامة الكبرى وكل مقرب إماماً ؟ وأيضاً لو كانت هذه الرواية صحيحة لكانت مناقضة للأية صراحة ، لأن الله تعالى قال في حق السابقين  ثلة من الأولين وقليل من الآخرين  والثلة هو الجمع الكثير ولا يمكن ان يطلق على الأثنين جمع ولا على الواحد قليل أيضا ، فعلم أن المراد بالسبق من الآية عرفى أو إضافى شامل للجماعة الكثيرة لا حقيقي بدليل أن الآية الأخرى  السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار  والقرآن يفسر بعضه بعضاً . وأيضاً ثبت بإجماع أهل السنة والشيعة أن أول من آمن حقيقة خديجة t ، فلو كان مجرد السبق بالإيمان موجباً لصحة الإمامة لزم أن تكون سيدتنا المذكورة حرية بالإمامة ، وهو باطل بالإجماع . وإن قيل إن المانع كان متحققاً في خديجة وهو الأنوثة قلنا كذلك في الأمير فقد كان المانع متحققاً قبل وصول وقت إمامته ، ولما أرتفع المانع صار إماماً بالفعل ، وذلك المانع هو إما وجود الخلفاء الثلاثة الذين كانوا أصلح في حق الرياسة بالنسبة إلى جنابة عند جمهور أهل السنة ، أو إبقاؤه بعد الخلفاء الثلاثة وموتهم قبله عند التفضيلية ، فإنهم قالوا : لو كان إماماً عند وفاة النبي  لم ينل أحد من الخلفاء الإمامة وماتوا في عهده وقد سبق في علم الله تعالى أن الخلفاء أربعة فلزم الترتيب على الموت . وبالجملة تمسكات الشيعة بالإيات من هذا القبيل .
 وأما الأحاديث التى تمسك بها الشيعة على هذا المدعى فهي اثنا عشر حديثاً :
الأول : حديث غديرخم المذكور عندهم بشأن عظيم ويحسبونه نصاً قطعياً في هذا المدعى ، حاصله أن بريدة بن الحصيب الأسلمى روى أنه  لما نزل بغديرخم حين المراجعة عن حجة الوداع – وهو موضوع بين مكة والمدينة – أخذ بيد علي وخاطب جماعة المسلمين الحاضرين فقال : يا معشر المسلمين ألست أولى من انفسكم ؟ قالوا بلى . قال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذا الحديث : إن الموالى بمعنى الأولى بالتصرف ، وكونه أولى بالتصرف عين الإمامة ولا يخفى أن أول الغلط في الاستدلال هو إنكار أهل العربية قاطبة ثبوت ورود (( الموالى )) بمعنى (( الأولى )) بل قالوا لم يجئ قط المفعل بمعنى أفعل في موضع ومادة اصلاً فضلاً عن هذه المادة بالخصوص ، إلا أن أبا زيد اللغوى جوز هذا متمسكاً فيه بقول أبي عبيدة في تفسير  هي مولاكم  أولى بكم لكن جمهور أهل العربية خطأوه في هذا التجويز والتمسك قائلين بأن هذا القول لو صح لزم أن يقال مكان فلان أولى منك مولى منك وهو باطل منكر بالإجماع . وأيضاً قالوا : إن تفسير أبي عبيدة بيان الحاصل لمعنى يعنى النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم ، لا أن اللفظ المولى ثمة بمعنى الأولى . الثاني أن المولى لو كان بمعنى الأولى أيضاً لا يلزم أن تكون صلته بالتصرف ، كيف تقرر الصلة ومن أية لغة ؟ إذ يحتمل أن يكون المراد : أولى بالتصرف ، كما في قوله تعالى  إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهذا النبي والذين أمنوا  وظاهر أن أتباع إبراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف في جنابة المعظم . الثالث أن القرينة البعدية تدل صراحة على أن المراد من الولاية المفهومة من لفظ (( المولى )) او (( الأولى )) المحبة ، وهي قوله (( اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه )) ، ولو كان المراد من المولى المتصرف في الأمور أو الأولى بالتصرف فقال : اللهم وال من كان في تصرفه وعاد من لم يكن كذلك ، وذكر المحبة والعداوة دليل صريح على ان المقصود إيجاب محبته والتحذير عن عداوته ، لا التصرف وعدمه . وظاهر أن النبي  علم الناس ولقنهم أدنى الواجبات بل السنن والآداب بحيث يفهم المعانى المقصودة من ألفاظها الواردة في قوله الشريف كل من كان حاضراً أو غائباً بعد معرفته بلغة العرب من غير تكلف ، وهذا في الحقيقة هو كمال البلاغة ، وهو المقتضى لمنصب الإرشاد والهداية أيضاً . ولو أكتفى في مثل هذه المقدمة العمدة بنحو هذا الكلام الذى لا يحصل المعنى المقصود أصلاً بطبق القاعدة اللغوية ووفقها لثبت في حق النبي  قصور البلاغة في الكلام بل المساهمة في التبليغ والهداية وهو محال والعياذ بالله تعالى ، فعلم أن مقصوده  بهذا يعني محبة على فرض كمحبته  ، وعداوته حرام كعداوته  ، وهذا هو مذهب أهل السنة ومطابق لفهم أهل البيت في ذلك ، كما أورد أبو نعيم ( 1 ) عن الحسن المثنى ابن الحسن السبط الأكبر سألوه عن حديث (( من كنت مولاه )) هل هو نص على خلافة علي ؟ قال لو كان النبي  أراد خلافته بذلك الحديث لقال هكذا : يا أيها الناس هذا ولي أمرى والقائم عليكم من بعدي فأسمعوا وأطيعوا . ثم قال الحسن : أقسم بالله أن الله تعالى ورسوله لو اثر علياً لأجل هذا الآمر ولم يمتثل علي لأمر الله ورسوله به . قال رجل : أما قول رسول الله  (( من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ )) قال الحسن : لا والله ، إن رسول الله لو أراد الخلافة لقال واضحاً وصرح بها كما صرح بالصلاة والزكاة وقال : يا أيها الناس إن علياً ولي أمركم من بعدي والقائم في الناس بامرى . وأيضاً في هذا الحديث دليل صريح على إجتماع الولايتين في زمان واحد ، إذ لم يقع التقييد بلفظ (( بعدي )) بل سوق الكلام لتسوية الولايتين في جميع الأوقات من جميع الوجوه كما هو الأظهر ، وشركة الأمير للنبي  في التصرف ممتنعة فهذا أدل على ان المراد وجوب محبته ، إذ لا محذور في إجتماع محبتين ، بل إحداهما مستلزمة للأخرى ، وفي إجتماع التصرفين محذورات كثيرة كما لا يخفى . وإن قيدتموه بما يدل على إمامته في المآل دون الحال فمرحباً بالوفاق ، لأن أهل السنة أيضاً قائلون بذلك في حين إمامته . واما وجه تخصيص الأمير بالذكر دون غيره فلما علمه النبي  بالوحي من وقوع الفساد والبغي في زمن خلافته وإنكار بعض الناس لإمامته . وكذلك فسر بعض الشيعة (( الأولى )) الواقع في صدر الحديث بالأولى بالتصرف ، وهو باطل ، والمراد الأولى في المحبة ، يعني ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم في المحبة ؟ لتتلائم أجزاء الكلام ، ولفظ الأولى قد ورد في غير موضع بحيث لا يناسب أن يكون معناه الأولى بالتصرف أصلاً كقوله تعالى  النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم  ،  وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله  فإن سوق هذا الكلام لنفي نسب الأدعياء عمن يثبتونه ، وبيانه أن زيد بن حارثة لا ينبغي أن يقال في حقه زيد بن محمد لأن نسبة النبي  إلى جميع المسلمين كالأب الشفيق بل أزيد ، وأزواجه أمهات أهل الإسلام ، والأقرباء في النسب أحق وأولى من غيرهم ، وإن كانت الشفقة والتعظيم للأجانب أزيد ، ولكن مدار النسب على القرابة في الأدعياء ، وهي مفقودة في الأدعياء ،و حكم ذلك في كتاب الله ، ولا دخل ههنا لمعنى الأولى بالتصرف في المقصود اصلاً . وقد أورد بعض المدققين
------------------------
( 1 ) واورده الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 4 : 166 ) عن الحافظ البيهقى من حديث فضيل بن مرزوق . أنظر تعليقنا على ( العواصم من القواصم ) ص 185 – 186 .
 منهم دليلاً على نفي المحبة ، وهو ان محبة الأمير أمر مفاد حيث كان ثابتاً في ضمن آية والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض  فلو أفاد هذا الحديث ذلك المعنى ايضاً كان لغواً ، ولا يخفى فسداه ، أو لم يفهموا أن بيان محبة أحد في ضمن عموم شئ وإيجاب محبته بخصوص أمر آخر فرق بينهما لا يخفى على العقلاء . مثلاً لو آمن أحد بجميع أنبياء الله ورسله ، ولم يتعرض لاسم محمد  بخصوصه في الذكر ، لم يكن إسلامه معتبراً . وفي هذا تكون محبة الأمير بشخصية مقصودة بالوجوب ، وفي الأية يكون وجوبها مفاداً بوصف الإيمان الذى هو عام . ولو فرضنا أتحاد مضمون الآية والحديث لا يلزم اللغو أصلاً لأن وظيفة النبي أن يؤكد مضامين القرآن لإلزام الحجة وإتمام النعمة . ومن تدبر الكتاب والسنة لا يتكلم بمثل هذا الكلام . وإلا فتأكيدات النبي وتقريراته في أبواب الصلاة والزكاة وتلاوة القرآن ونحو ذلك كلها تصير لغواً والعياذ بالله . وعند الشيعة ايضاً دعوى التنصيص على إمامة الأمير وتأكيده ثابتة ، فيلزم على تقدير صحة هذا القول أن يكون ذلك كله حشواً . وسبب هذه الخطبة الذى ذكره المؤرخون وأهل السير يدل على أن المقصود منها كان إلزام المحبة للأمير ، ولأن جماعة الصحابة الذين كانوا متغيبين مع الأمير في سفر اليمن كبريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير بعد ما رجعوا من سفرهم من الأمير ، فتكلم النبي  في حقه هكذا ، وقد أورد هذه القصة محمد بن إسحق وغيره من اهل السير مفصلة .
الحديث الثاني : روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أنه  لما أستخلف الأمير في غزوة تبوك على اهل بيته من النساء وتركه فيهن وقد توجه هو إلى تلك الغزوة ، قال الأمير : يا رسول الله اتخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال النبي  له : (( أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هرون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي )) . قالت الشيعة : إن المنزلة اسم جنس مضاف إلى العلم فيعم جميع المنازل لصحة الاستثناء ، وإذا أستثني مرتبة النبوة فثبت للأمير جميع المنازل الثابتة لهرون ، ومن جملتها صحة الإمامة ، وافتراض الطاعة أيضاً لو عاش هارون بعد موسى ، لأن هارون كانت له هذه المرتبة في عهد موسى ، فلو زالت عنه بعد وفاته لزم العزل ، وعزل النبي  ممتنع للزومه الإهانة المستحيلة في حقه فثبتت هذه المرتبة للأمير ايضاً وهي الإمامة .
والجواب عن ذلك بوجوه : الأول – أن أسم الجنس المضاف إلى العلم ليس من ألفاظ العموم عند جميع الأصوليين ، بل هم صرحوا بأنه للعهد في غلام زيد وأمثاله ، لأن تعريف الإضافة المعنوية باعتبار العهد أصل ، وفيما نحن فيه قرينة موجودة وهي قوله (( اتخلفنى في النساء والصبيان )) يعنى ان هارون كما كان خليفة لموسى حين توجه هو إلى الطور كذلك صار الأمير خليفة للنبي  إذ توجه إلى غزوة تبوك ، والاستخلاف المقيد بهذه الغيبة لا يكون باقياً بعد أنقضائها كما لم يبق في حق هرون ايضاً . ولا يمكن ان يقال انقطاع هذا الاستخلاف عزل موجب للإهانة في حق الخليفة لأن أنقطاع العمل ليس بعزل ، والقول بانه عزل خلاف العرف واللغة ، ولا تكون صحة الاستثناء دليلاً للعموم إلا إذا كان متصلاً ، وههنا منقطع بالضرورة ، لأن قوله (( إنه لا نبي بعدي )) جملة خبرية ، وقد صارت تلك الجملة بتأويلها بالمفرد بدخول إن في حكم (( إلا عدم النبوة )) وظاهر ان عدم النبوة ليسمن منازل هرون حتى يصح أستثناؤه لأن المتصل يكون من جنس المستثني منه وداخلاً فيه والنقيض لا يكون من جنس النقيض وداخلاً فيه ، فثبت أن هذا المستثني منقطع جداً ، ولأن من جملة منازل هرون كونه أسن من موسى وأفصح منه لساناً وكونه شريكاً معه في النبوة وكونه شقيقاً له في النسب ، وهذه المنازل غير ثابتة في حق الأمير بالنسبة إلى النبي  إجماعاً بالضرورة ، فإن جعلنا الاستثناء متصلاً وحملنا المنزلة على العموم لزم الكذب في كلام المعصوم .
الثاني – أنا لا نسلم أن الخلافة بعد موت موسى كانت من جملة منازل هرون ، لان هرون كان نبياً مستقلاً في التبليغ ، ولو عاش بعد موسى أيضاً لكان ولم تزل عنه هذه المرتبة قط ، وهي تنافى الخلافة لأنها نيابة للنبي ولا مناسبة بين الأصالة والنيابة في القدر والشرف ، فقد علم أن الاستدلال على خلافة الأمير من هذا الطريق لا يصح ابداً . وأيضاً أن النبي  لما شبه الأمير بهارون – ومعلوم أن هرون كان خليفة في حياة موسى بعد غيبته ، وصار يوشع بن نون وكالب بن يفنه خليفة له بعد موت موسى – لزم أن يكون المير أيضاً خليفة في حياة النبي  بعد غيبته لا بعد وفاته ، بل يصير غيره خليفة بعد وفاته حتى يكون التشبيه على وجه الكمال ، إذ حمل التشبيه في كلام الرسول على النقصان غاية عدم الديانة والعياذ بالله ، وإن تنزلنا قلنا ليس في هذا الحديث دلالة على نفي إمامة الخلفاء الثلاثة ، غاية ما في الباب أن أستحقاق الإمامة يثبت به للأمير ولو في وقت من الأوقات ، وهو عين مذهب اهل السنة ، فالتقريب به ايضاً غير تام .
الحديث الثالث : رواه مرفوعاً أنه قال (( إن علياً مني وانا من علي ، وهو ولي كل مؤمن بعدي )) وهذا الحديث باطل ، لأن في إسناده أجلح وهو شيعي متهم في روايته . وأيضاً غير مقيد بالوقت المتصل بزمان وفاته  ، ولفظ (( بعدي )) يحتمل الاتصال والانفصال وهو مذهب اهل السنة القائلين بأن الأمير كان إماماً مفترض الطاعة بعد النبي  في وقت من الأوقات .
الحديث الرابع : رواه أنس بن مالك أنه كان عند النبي  ائر قد طبخ له وأهدى إليه فقال (( اللهم أئتنى بأحب الناس إليك يأكل معي هذا الطير )) فجاءه علي . وهذا الحديث قد حكم أكثر المحدثين بأنه موضوع ، وممن صرح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزرى ، وكذلك الذهبي في تلخيصه ، ومع هذا فهو غير مفيد للمدعى أيضاً ، لأن القرينة تدل على أن المراد بأحب الناس إلى الله في الأكل مع النبي  . ولا شك أن الأمير كان أحبهم إلى الله في هذا الوصف ، لأن أكل الولد ومن حكمه مع الأب يكون موجباً لتضاعف اللذة بالطعام . وإن سلمنا أن يكون المراد بأحب الناس مطلقاً فإنه لا يفيد المدعى أيضاً ، إذ لا يلزم أن يكون أحب الخلق إلى الله صاحب الرياسة العامة ، فكاين من أولياء وأنبياء كانوا احب الخلق إلى الله ولم يكونوا ذوى رياسة عامة ، كزكريا ويحيى وشمويل الذى كان طالوت في زمنه صاحب رياسة عامة بنص إلهي ، وأيضاً يحتمل أن أبا بكر لعله لم يكن في ذلك الحين حاضراً في المدينة المنورة والدعاء كان خالصاً بالحاضرين دو الغائبين بدليل قوله (( اللهم أئتنى )) لأن إحضار الغائب من مسافة بعيدة في آن قصير لا يعقل إلا طريق خرق العادة ، والآنبياء لا يسألون الله خرق العادة إلا في وقت التحدي ، وإلا لما أحتاجوا في الحرب والقتال إلى تهيئة الأسباب الظاهرة . ويحتمل أن يراد التبعيض بذلك كما في قولهم فلأن أعقل الناس وأعلمهم وافضلهم . وعلى تقدير دلالته على المدعى لا يقاوم الأخبار الصحاح الدالة على خلافة أبي بكر وعمر ، مثل (( أقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر )) وغير ذلك .
الحديث الخامس : رواية جابر عن النبي  أنه قال : (( أنا مدينة العلم وعلى بابها وهذا الخبر أيضاً مطعون فيه ، قال يحيى بن معين : لا أصل له ، وقال البخارى : إنه منكر ، وليس له وجه صحيح . وقال الترمذى : إنه منكر غريب . وذكره ابن الجوزى في الموضوعات . وقال ابن دقيق العيد : لم يثبتوه . وقال النووى والذهبي والجزرى : إنه موضوع . فالتمسك بالأحاديث الموضوعة مما وجه له ، إذ شرط الدليل اتفاق الخصمين عليه . ومع هذا ليس مفيداً لمدعاهم إذ لا يلزم أن من كان باب مدينة العلم فهو صاحب رياسة عامة بلا فصل بعد النبي  ، غايته أن شرطاً من شروط الإمامة قد تحقق فيه بوجه أتم ، ولا يلزم من تحقيق شرط واحد وجود المشروط بالشروط الكثيرة ، مع أن ذلك الشرط كان ثابتاً في غيره أيضاً أزيد منه برواية أهل السنة مثل(( ما صب الله شيئاً في صدرى إلا وقد صببته في صدر أبي بكر )) ونحو (( لو كان بعدي نبي لكان عمر )) فإذا أعتبرت روايات أهل السنة فليتعبر كلها ، وإلا فلا ينبغي أن يقصد إلزامهم برواية واحدة من رواياتهم .
الحديث السادس : وهو ما رواه الإمامية مرفوعاً أنه  قال (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، وإلى عيسى في عبداته ، فينظر إلى علي بن أبي طالب )) . وجه التمسك بهذا الحديث أن مساواة الأمير للأنبياء في صفات قد علمت به ، والأنبياء أفضل من غيرهم ، والمساوى للأفضل أفضل فكان على أفضل من غيره ، والأفضل متعين للإمامة دون غيره . ولا يخفى فساد هذه المقدمات والمبادئ الواقعة في الاستدلال من وجوه :
الأول – أن هذا الحديث أورده الحلى في كتبه وقد نسبه إلى البيهقي مرة إلى البغوي أخرى وليس في تصانيفهما أثر منه . ولا يتأتى إلزام أهل السنة بالافتراء . مع أن عند أهل السنة التي تذكر في كتبهم إذا لم يصرح بصحتها لا يحتج بها .
الثاني – أن ما ذكر محض تشبيه لبعض صفات الأمير ببعض صفات أولئك الأنبياء الأسلوب كما تقرر في علم البيان أن من أراد أن ينظر القمر ليلة البدر فلينظر إلى وجه فلان . فهذا القسم داخل أيضاً في التشبيه ولو تجاوزنا عن ذلك لكان استعارة مبناها على التشبيه ، وفهم المساواة بين المشبه والمشبه به من كمال السفاهة وقد روى في الأحاديث الصحيحة لأهل السنة تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى وتشبيه عمر بنوح وتشبيه أبي ذر بعيسى ولكن لما كان لأهل السنة حظ عظيم من العقل لم يحملوا ذلك التشبيه على المساواة أصلاً بل أعطوا كلا مرتبته .
الثالث – أن المساواة بالأفضل في صفة لا تكون موجبة لأفضلية المساوى لأن ذلك الأفضل له صفات أخر قد صار بسببها أفضل . وأيضاً ليست الأفضلية موجبة للزعامة الكبرى كما مر .
الرابع – ان تفضيل الأمير على الخلفاء الثلاثة من هذا الحديث يثبت إذا لم يكن أولئك الخلفاء مساوين للأنبياء المذكورين في الصفات المذكورة أو في مثلها ودون هذا خرط القتاد ولو تتبعنا الأحاديث الدالة على تشبيه الشيخين بالأنبياء لبلغت مبلغاً لم يثبت مثله لمعاصريهما ولهذا ذكر المحققون من أهل التصوف أن الشيخين كانا حاملين لكمالات النبوة وكان الأمير حاملاً لكمالات الولاية ومن ثمة صدر من الشيخين الأمور التي تصدر من الأنبياء من الجهاد بالكفار وترويج أحكام الشريعة وإصلاح أمور الدين بأحسن أسلوب وتدبير وظهر من الأمير ما يتعلق بالأولياء من تعليم الطريقة والإرشاد لأحوال . السالكين ومقاماتهم والتنبيه على غوائل النفس والترغيب بالزهد في الدنيا ونحوها أكثر من غيره وقد دل على هذه التفرقة حديث رواه الشيعة في كتبهم وهو قوله  (( إنك يا علي تقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلتهم على تنزيله )) لأن مقاتلات الشيخين كلها كانت على تنزيل القرآن فكان عهدهما من بقية زمان النبوة وزمن خلافة الأمير كان مبدأ لدورة الولاية وإليه تنتهي سلاسل جميع الفرق من أولياء الله تعالى كما تصل سلاسل الفقهاء والمجتهدين في الشريعة بالشيخين ونوابهما كعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد ابن ثابت وعبدالله بن عمر وأمثالهم رضي الله تعالى عنهم ويكون فقه أولئك الفقهاء رشحة من بحار علومهم وكان معنى الإمامة التي بقيت في أولاد الإمام وجعل بعضهم بعضاً وصياً له فيها هي قطبية الإرشاد ولهذا لم يرو إلزام هذا الأمر من الأئمة الأطهار على كافة الخلائق بل جعلوا بعض أصحابهم الممتازين المنتخبين مشرفين بذلك الفيض الخاص ووهبوا لكل واحد منهم هذه الكرامة العظيمة بقدر استعداده . وهذه الفرقة السفيهة قد أنزلوا تلك الإشارات كلها على الرياسة العامة واستحقاق التصرف في أمور الملك والمال فوقعوا في ورطة الضلال ومن أجل ما قلنا يعتقد كل الأمة الأمير وذريته الطاهرة كالشيوخ والمرشدين .
الحديث السابع : روى عن أبي ذر الغفاري أنه قال (( من ناصب علياً في الخلافة فهو كافر )) وهذا الحديث لا أثر له بوجه في كتب أهل السنة أصلاً بل نسب ابن المطهر الحلى روايته إلى خطب الخوارزمي والحلى خوان في النقل والأخطب كان من الغلاة الزيدية ومع هذا لم يرو هذا الحديث في كتابه المؤلف في مناقب أمير المؤمنين ولو فرضنا كونه في كتابه فلا اعتبار له لكونه مخالفاً للأحاديث الصحاح الموجودة في كتب الإمامية منها قوله  في نهج البلاغة (( أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج (1) )) . ولئن اعتبرنا هذا الحديث لا يتحقق مضمونه أيضاً إلا إذا طلب الأمير الخلافة وانتزعها الآخر من يده وهذا المعنى لم يقع في عهد قط ، لأن الأمير لم يطلب الخلافة في زمن الخلفاء الثلاثة ، كما ذكر في كتب الإمامية أن الرسول  كان وصى الأمير بالسكوت ما لم يجد أعواناً فسكت الأمير في عهد الخلفاء الثلاثة لأجل هذه الوصية ! وحين صار طالباً لها لم يقصد أحد – من أم المؤمنين والزبير وطلحة – نزع الخلافة من يده أصلا ، بل إنما سأل هؤلاء الأمير تنفيذ حكم القصاص على قتلة عثمان رضي الله تعالى عنه ثم انجز الأمر إلى القتال كما تشهد بذلك كتب السير (2) وخطب الأمير t . سلمنا ، ولكن المراد من (( الكافر )) كفران النعمة ، إذ خلافة أمير المؤمنين كانت نعمة في زمنها يدل عليه لفظ (( الخلافة )) إذ هي بالإجماع مشروطة بالتصرف في الأرض ، وذلك لم يكن للأمير في زمن الخلفاء الثلاثة ولهذا لم يقع في الحديث لفظ (( الإمامة )) . سلمنا ، ولكن الله تعالى قال في كتابه لمنكر خلافة الخلفاء الثلاثة في آية الاستخلاف كافر أيضاً كقوله تعالى  ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون  والمعنى أن من أنكر خلافة أولئك المستخلفين بعد استماع هذه الآية الكريمة والعلم باستخلافهم الصادر من الله تعالى فأولئك هم الكاملون في الفسق ، والكامل فيه هو
-----------------------
( 1 ) تقدم في ص130 .
( 2 ) انظر التعليق على ( العواصم من القواصم ) ص150-152 .
الكافر كما لا يخفى . مع أن روايات الأخطب الزيدي عند أهل السنة كلها ضعيفة وكثير منها موضوعة يحتج بها ؟!
الحديث الثامن : رواه الشيعة أن الرسول  قال (( كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين : فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب )) . وهذا الحديث موضوع قطعاً بإجماع أهل السنة ، وفي إسناده محمد بن خلف المروزي قال يحيى بن معين : هو كذاب . وقال الدار قطني : متروك ن ولم يختلف أحد في كذبه . ويروي من طريق آخر وفيه جعفر بن أحمد وكان رافضياً غالياً كذاباً وضاعاً ، وكان أكثر ما يضع في مدح الصحابة وسبهم . وعلى تقدير صحته معارض بالأخبار الأخر نحو قوله (( أول من خلق الله نورى )) وقوله (( أنا من نور الله وكل شيء من نورى )) فإنه إن كان الأمير من نوره فلا وجه للتخصيص وإن كان مستقلاً مثله فيلزم التكذيب . ومع هذا فقد ثبت اشتراك الخلفاء الثلاثة معه  في عالم الأرواح بالرواية الأخرى التي هي أحسن من تلك الرواية إذ ليس في إسنادها متهمون بالكذب والوضع وهي ما روى الشافعي بإسناده إلى النبي  أنه قال : (( كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما خلق أسكننا ظهره ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة حتى نقلني إلى صلب عبدالله ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة ونقل عمر إلى صلب الخطاب ونقل عثمان إلى صلب عفان ونقل علياً إلى صلب أبي طالب )) ويؤيد هذه الرواية حديث (( الأرواح جنود مجندة : ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) وبعد اللتيا والتي لا يدل حديثهم على المدعي أصلاً لأن اشترك الأمير في نور النبي مستلزماُ لوجوب إمامته بلا فصل وأية ملازمة بينهما فليبينوها بحيث لا يتوجه إليه المنع ودونه خرط القتاد ولا بحث لنا في قرب النسب وإلا لكان العباس أولى بالإمامة لكونه عم النبي والعم أقرب من ابن العم عرفاً وشرعاً فإن قالوا : عن العباس لحرمانه من اتحاد النور لم يحصل له لياقة للإمامة لأن نور عبد المطلب انقسم في عبد الله وأبي طالب ولم يصب أبناؤه الآخرون قلنا : إن كان مدار التقدم في الإمامة على قوة النور وكثرته فالحسنان أحق بالإمامة من الأمير للقوة والكثرة معاً أما القوة فلأن النور لما انقسم وصلت حصة الرسول إلى جنابه فانشعب من تلك الحصة السبطان الكريمان بخلاف الأمير فإنه كان شريكاً في أصل النور لا في حصة النبي  وحصة النبي  من النور كانت أقوى من حصة غيره.
وأما الكثرة فلأن الحسنين كانا جامعين لنورى النبي  والأمير معاً والاثنان أكثر من الواحد قطعاً .
الحديث التاسع : رواه عمر بن الخطاب t أن النبي  قال يوم خيبر (( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه )) وهذا الحديث أصح وأقوى من غيره ، ولكن مدعى الشيعة غير حاصل منه إذ لا ملازمة بين كونه محباً لله ورسوله ومحبوباً لهما وبين كونه إماماً بلا فصل أصلاً ، على انه لايلزم من أثباتهما له نفياً عن غيره ، كيف وقد قال الله تعالى في حق أبي بكر ورفقائه  يحبهم ويحبونه  وقال في حق أهل بدر  إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص  ولاشك ان من يحبه الله يحبه رسوله ومن يحب الله من المؤمنين يحب رسوله ، وقال في شأن أهل مسجد قبا  فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، والله يحب المتطهرين  وقال النبي  لمعاذ (( يا معاذ إنى أحبك )) ولما سئل : من أحب الناس إليك ؟ قال : (( عائشة )) قيل : ومن الرجال ؟ قال : (( أبوها )) . وإنما نص على المحبية والمحبوبية في حق الأمير مع وجودهما في غيره لنكتة دقيقة تحصل من ضمن قوله (( يفتح الله على يديه )) وهي أنه لو ذكر مجرد الفتح لربما توهم أن ذلك غير موجب لفضيلته لما ورد (( إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )) فأزال ذلك التوهم بإثبات هاتين الصفتين له فصار المقصود منه تخصيص مضمون (( يفتح الله على يديه )) وما ذكر من الصفات لإزالة ذلك التوهم .
الحديث العاشر : (( رحم الله علياً ، اللهم أدر الحق معه حيث دار )) وهذا الحديث يقبله أيضاً أهل السنة ، ولكن لا مساس له بمدعى الشيعة وهو الإمامة بلا فصل ، وقد جاء في حق عمار بن ياسر (( الحق مع عمار حيث دار )) وفي حق عمر أيضاً (( الحق بعدي مع عمر حيث كان )) بل في هذين الحديثين إخبار بملازمة الحق لعمر ولعمار ، بخلاف الحديث عن الأمير فإنه دعاء في حقه ، والفرق بين الإخبار والدعاء غير خاف ، خصوصاً على ما قرره الشيعة من أن استجابة دعاء النبي لازمة عندهم ، فقد روى ابن بابويه القمي أن رسول الله  دعا ربه أن يجمع أصحابه على محبة علي فلم يكن ذلك . وزاد في حق عمر لفظ (( بعدي )) ليكون دليلاً على صحة إمامته من رآه عمر إماماً . وعلى مذاق الشيعة يكون هذا الحديث دليلاً على عصمته ، لكن مذهب أهل السنة لا يكون غير النبي معصوماً . وقد تمسك بعض ظرفاء أهل السنة بحديث على المذكور على صحة أبي بكر وعمر وعثمان ، لأن علياً كان معهم وبايعهم وتابعهم وصلى معهم في الجمع والجماعات ونصحهم في أمور تتعلق برياستهم ، فيصح قياس المساواة ههنا : الحق مع علي ، وعلي مع أبي بكر وعمر ، فالحق معهما ، لأن مقارن المقارن مقارن . وهذه المقدمة الأجنبية التى هي مدار صحة النتيجة في هذا القياس صادقة لا محالة ، وهذا القياس لروايات الشيعة ، فإنه يثبت في ( نهج البلاغة ) أن عمر بن الخطاب لما أراد أن يخرج إلى دفع فتنة نهاوند أستشار علي أبن أبي طالب فقال له الأمير : (( إن هذا الآمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة وهو دين الله الذى أظهره ، وجنده الذى أوعده وأمده ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث ما طلع ، ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده . قال الله تعالى وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كم أستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امناً  . ومكان القيم من الإسلام مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه ، فإن أنقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع أبداً والعرب وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالإجتماع ، فكن قطباً ، وأستدر الرحى بالعرب )) إلى آخر خطبته المذكورة في نهج البلاغة . فعلم بالصراحة أن الأمير كان معنياً وناصراً أميناً لعمر بن الخطاب ، ولو كان بينهما نفاق والعياذ بالله لأشار عليه بالذهاب إلى العجم ، وإذا أشتغل عمر وأهل عسكره بالقتال تصرف الأمير بالحجاز التى كانت دار الإسلام وأتبعه الناس طوعاً أو كرهاً . وأيضاً قد علم أن الأمير عد نفسه في زمرة أبي بكر وعمر حيث أدخل نفسه فيهم وقال (( نحن على موعود من الله )) وأيضاً قد ذكر في ( نهج البلاغة ) أن الأمير قال لعمر بن الخطاب حين أستشاره في غزوة الروم (( إنك متى تسير إلى هذا العدو بنفسك فتكسر وتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون اقصى بلادهم ، وليس بعدك مرجع يرجعون إليه . فأرسل إليهم رجلاً مجرباً وأحفز معه أهل البلاء والنصيحة ، فإن أظهره الله فذلك ما تحمد ، وإن تكن الآخرى كنت ردءاً للناس ومثاباً للمسلمين )) والعجب من الشيعة كيف يتركون مثل هذه الروايات الثابتة في أصح الكتب عندهم كأنهم لو يروها ولم يسمعوها ، ويذعنون بالمخالفة فيما بينهم بما شاع عندهم من الروايات الموضوعة والمفتريات ، ثم يتخبطون إذ يرون هذه الروايات الصحيحة ، فقد يقولون إن هذه كلها – من متابعة الأمير ومبايعته للشيخين – كانت لمحض قلة الأعوان والأنصار ، ثم يفحمون فيما قالوا بروايات ثقاتهم الدالة صراحة على قوة الأمير وغلبة أعوانه وكثرة انصاره كما روى أبان بن عياش عن سليمان بن قيس الهلالي وغيره أن عمر قال لعلي : والله لئن لم تبايع أبا بكر لنقتلنك . قال له علي : لولا عهد عهده إلى خليلى لست أخونه لعلمت اينا أضعف ناصراً وأقل عدداً . فهذه الرواية تدل بالصراحة على أن سكوت الأمير كان بسبب أمر سمعه من النبي  وهو أن الخلافة حق ابي بكر بلا فصل ثم حق عمر ، وههنا البرهان العقلي الموافق لأصول الشيعة قائم على أن العهد المذكور كان هذا ، لأن الإمامة لو كانت حق الأمير وكان النبي أوصاه بترك المنازعة للشيخين مع كثرة الأعوان والأنصار المستفادة من هذه الرواية صراحة للزم أن النبي أوصاه بتعطيل امر الله ، ونحوها ، معاذ الله من ذلك ، كيف وقد قال الله تعالى  يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال  في زمان كان الواجب أن يقاتل مسلم واحد عشرة كفار ، فجاهد النبي وكلف الناس بالجهاد بهذه التأكيدات مع كثرة المشقة والصعوبة ، وفي زمان تم فيه الدين وكملت النعمة يأمر مثل هذا الذى هو أسد الله بالجبن والخوف وترك التبليغ لأحكام الله ويجوز الفتن والفساد وتحريف كتاب الله وتبديل دينه  أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ؟  حاشاه ثم حاشاه ، أولئك مبرأون مما يقولون ، وشأن النبوة والرسالة مناف لهذه الوصية أشد منافاة . وقد يقول الشيعة إن ترك الأمير للمنازعة وإظهاره الموافقة والمناصحة مع الخلفاء الثلاثة كان لمحض الأقتداء بأفعال الله تعالى وهي إمهال الجانى والتأنى في المؤاخذة ، وقد أستخرج هذا التوجيه ابن طاوس سبط أبي جعفر الطوسي ، وقد أرتضى به الآخرون من إخوانه غاية ارتضاء ، مع أنه تأويل باطل ، لأن الاقتداء بأفعال الله تعالى فيما يخالف الشرع غير جائز للناس فضلاً عن أن يكون واجباً ، إذ البارى تعالى قد ينصر الكفرة في بعض الأحيان ويخذل المسلمين ويميت الصالحين ويحيى الفساق ويرزقهم بغير حساب ويقدر الرزق على الصلحاء وغير ذلك على ما علمه من المصالح والحكم ، ولا يجوز لأحد من العباد نصرة الكافر وقتل المسلم بغير حق وإعانة الفاسق على فسقه وخذلان الصالح ، بل لابد للعباد من الامتثال لأوامر الله تعالى ونواهيه ، وهذا هو شان العبودية أن يتلقى بالقبول حكم الله ، ويعمل بالجد على وفقه ، لا أنه يقتدى بأفعال المالك . واما ما قيل (( تخلقوا بأخرق الله )) فبابه المكارم دون الأحكام ، وإلا فمن لم يصل ولم يؤت الزكاة ولم يحج البيت مع الاستطاعة أقتداء بالله تعالى فهل يعذر في الدنيا والآخرة ؟ ومن قال أنى التأني وترك العجلة محمود فليس مطلقاً ، بل التأخير والتأني في الأمور الحسنة غير محمود البتة ، لأن المالك إذا أمر رسله وعباده بتعجيل امر فإن لم يسارعوا إلى امره يكونوا عصاة لا محالة كما قال الله تعالى  وإن منكم لمن ليبطئن  وقال تعالى في مدح عباده المتعجلين في أمتثال أوامره  أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون  ولهذا صار المثل المشهور (( لا حاجة إلى الاستخارة في امر الخير )) و (( خير الخير ما كان عاجله )) والإمام الذى له منصب هداية الخلق وإرشاد الضالين كيف يجوز له التاني إذ يفوت منه فيه واجبات كثيرة ، وأيضاً يكون للتأني حد ، وهل يمضى أحد في التأني خمسة وعشرين عاماً ؟ ولو قال : إن تأني الأمير كان بامر الله تعالى قلا يلزم ترك الواجبات ، قلنا : فقد علم أن إمامة الأمير لم تكن متحققة في ذا الزمن ، وإلا فنصبه للإمامة ثم امره بالتأني وترك لوازم الإمامة متناقضان فيما بينهما ، ويشبه ذلم أن السلطان قلد أحداً القضاء وأمره بالأختفاء مدة ذلك قائلاً له : لا تظهر قضاءك في تلك المدة ، وامتنع ان تقام قضية بحضورك ، ولا تتكلم بين المتخاصمين . فهذا يدل صريحاً على ان السلطان يعده القضاء ، لا انه نصبه بالفعل للقضاء ، ولو حملنا على الظاهر يلزمه التناقض الصريح وتفويت الغرض من نصب القاضي ، بل هو محض السفاهة . ولا يخفى قبحه ، والله تعالى منزه عن ذلك . وأيضاً إذا كان الأمير مأموراً من الله بالتأني وإخفاء الإمامة وترك دعواها يكون المكلفون في ترك متابعته وإطاعة الأمر معذزرين ، فلو خالفوا ونصبوا غيره لحفظ دينهم ودنياهم وتمشيه مهماتهم في هذه المدة لا يكون للعقاب والعتاب عليهم محل أصلاً إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
الحديث الحادي عشر : رواه أبو سعيد الخدري أنه قال : قال النبي  لعلي (( إنك تقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله )) . ولا يخفى أن هذا الحديث لا مساس له بمدعاهم ، إذ مفاده : إنك تقاتل فيحين من الأحيان على تاويل القرآن . وهذا هو مذهب أهل السنة أن الأمير في مقاتلاته حين قاتل كان على الحق ومصيباً لا ريب فيه ، ومخالفوه كانوا على الخطأ ولو بالاجتهاد . ولا دلالة في هذا الحديث على أن الأمير إمام بلا فصل ، إذ لا ملازمة بين المقاتلة على تأويل القرآن والإمامة بلا فصل بوجه من الوجوه ، فإيراد هذا الحديث في مقابلة على تأويل القرآن والإمامة بلا فصل بوجه من الوجوه ، فإيراد هذا الحديث في مقابلة أهل السنة غاية الجهل ، بل لو أستدل به على نذهب أهل السنة لأمكن ، لأنه يفهم منه بالصراحة أن الأمير قد يكون إماماً في عصر يقاتل فيه على تأويل القرآن ووقت قتاله معلوم متى كان ، وهو من دلائل أهل السنة على أن الحق كان في جانب الأمير وكان مقاتلوه على الخطأ حيث لم يفهموا معنى القرآن وأخطأوا في أجتهادهم ، وإنكار تاويل القرآن ليس بكفر إجماعاً ، وغن أنكر أحد معنى القرآن الظاهر بسوء فهمه ففي كفره تامل ، فضلاً عن ان ينكر المعنى الخفى الذى هو التأويل . وعقيدة الشيعة أن محاربيه كفرة كما ذكر في ( تجريد العقائد ) للطوسي . ولا وجه لكفرهم على أصول الشيعة ايضاً.
الحديث الثاني عشر : رواه زيد بن ارقم عن النبي  أنه قال : (( إنى تارك فيكم الثقلين ، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي : أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي )) وهذا الحديث أيضاً كالأحاديث السابقة لا مساس له بمدعاهم ، وإذ لا يلزم أن يكون المتمسك صاحب الزعامة الكبرى . سلمنا ، ولكن قد صح الحديث ايضاً (( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنوجذ )) . سلمنا ، ولكن (( العترة )) في لغة العرب هم الأقارب ، فلو دل الحديث على الإمامة لزم أن يكون جميع أقاربه  أئمة واجبي الإطاعة وهو باطل . وأيضاً قال  (( وأهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ، واعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل )) خصوصاً قوله (( أقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) البالغ درجة الشهرة والتواتر المعنوي ، فلزم من هذه الأحاديث أن يكون أولئك الأشخاص ائمة ، وأن يدل هذا الحديث على إمامة العترة ، فكيف يصح الحديث المروى عن الأمير بالتواتر عند الشيعة (( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار )) وكذلك لا يدل حديث (( مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )) إلا أن الفلاح والهداية منوطان بمحبتهم ومربوطان باتباعهم ، والتخلف عن محبتهم وأتباعهم موجب الهلاك . وهذا المعنى بفضل الله تعالى مختص بأهل السنة ، لأنهم هم المتمسكون بحبل وداد جميع أهل البيت ، كالإيمان بكتاب الله كله لا يتركون حرفاً منه ، وبالأنبياء أجمعين بحيث لا يفرقون بين أحد من رسله وأنبيائه ، ولا يخصمون بعضهم بالمحبة دون بعض ، لأن الإيمان ببعض الكتاب بحكم  تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض  وببعض الأنبياء بدليل  إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض  الآية كفر غليظ ، بخلاف الشيعة لأنهم ما من فرقة منهم إلا وهي لا تحب جميع أهل البيت ، بل يحبون طائفة ويبغضون أخرى .
ولبعض الشيعة ههنا تقرير عجيب حيث قال : تشبيه أهل البيت في هذا الحديث يقتضى أن محبة أهل البيت واتباعهم كلهم غير ضرورى في النجاة ، لأن أحداً لو تمكن من زاوية من السفينة تحصل له النجاة من الغرق بلا شبهة ، بل كذلك الدوران في السفينة بأن لا يجلس في مكان واحد ، فالشيعة إذا كانوا متمسكين ببعض أهل البيت ومتبعين لهم يكونون ناجين بلا شبهة فقد أندفع طعن أهل السنة عليهم بإنكارهم لبعض أهل البيت .
واجاب عنه أهل السنة بوجهين : الأول بطريق النقض بان الإمامية لابد لهم ان لا يعتقدوا على هذا التقرير ان الزيدية والكيسانية والناوسية والأفطحية وامثالهم من فرق الشيعة ضالون هالكون في الآخرة ، بل ينبغي أن يعتقدوا فلاحهم ونجاتهم ، لأن كلاً من هذه الفرق وامثالهم آخذون زاوية من هذه السفينة الوسيعة ، ومتخذون فيها مكانهم والزاوية الواحدة من تلك السفينة كافية لنجاة عن الغرق ، بل التعيين بالأئمة الأثني عشر صار مخدوشاً على هذا التقرير ، إذ الكفاية بزاوية واحدة من السفينة في النجاة من الغرق مفروضة ، ومعنى الإمام هو هذا ان أتباعه يكون موجباً للنجاة في الآخرة ، ففسد مذهب الأثني عشرية بل الإمامية كلهم فلا يصح لكل فرقة من فرق الشيعة ذلك بل لابد لهم ان يعلموا جميع المذاهب حقاً وصواباً ، مع أن بين مذاهبهم كثير من التناقض والتضاد الواقع ، والحكم في كلا الجانبين المتناقضين بكونهما حقاً في غير الاجتهادات قول باجتماع النقيضين وهو بديهي الاستحالة .
الثاني بطريق الحل : بأن التمكن في زاوية من زوايا السفينة إنما ينجى من الغرق لو لم يخرق في زاوية أخرى منها ، وإلا فيحصل الغرق قطعاً . وما من فرقة من فرق الشيعة متمكنين في زاوية من هذه السفينة إلا وهم يخرقون في زاوية أخرى منها .نعم أهل السنة وإن كانوا يدورون في كل الزوايا المختلفة ويسيرون فيها ، لكنهم لم يخرقوها في زاوية منها ليدخلوا من ذلك الطرف موج البحر ليغرقها . والحمد لله .
وأما الدلائل العقلية للشيعة فهي كثيرة جداً ولنذكر قاعدة يمكن الحل بها لكل دلائلهم فنقول : إن الدليل على هذا المدعي لا يخلو عن ثلاثة اقسام : لأنه إما جميع مقدماته عقلية ، أو جميعها نقلية ، أو بعضها عقلية وبعضها نقلية ، وهذا الاصطلاح غير الاصطلاح المشهور في الكلام ، فإن الدليل العقلي يطلق فيه على ما كان مركباً من العقليات الصرفة ، والدليل النقلي يطلق على ما كانت إحدى مقدماته موقوفة على النقل . وهذه الأقسام الثلاثة من الدليل لابد أن تكون مأخوذة من شرائط الإمامة او من توابعها أو من طريق تعينها . وأصل هذه الدلائل كلها هي مباحث الإمامة ، ومباحثها فرع لمباحث النبوة ، لأن الإمامة نيابة للنبوة ، ومباحث النبوة فرع الإلهيات ، لن النبوة والرسالة من الله تعالى . فإذا فسدت أصول الشيعة ومقرراتهم في هذه المباحث الثلاثة بمخالفة الكتاب والعترة والعقل السليم صارت دلائلهم كأنها أخذت تحت المنع في ثلاث مراتب . ولنبين هذا الاجمال بمثال واضح : مثلاً مقدماتهم المأخوذة في الدلائل الكثيرة عندهم (( الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه )) أصله (( ان نصب الإمام واجب على الله تعالى )) وأصل هذا الأصل إن بعث المبنى واجب على الله )) ولما ابطلنا مذهبهم في هذه المباحث بشهادة العدول – الكتاب ، والعترة ، والعقل السليم ( 1 ) – لم يبق شبهة ولا شك في بطلانه .
ولنذكر بعضاً من دلائلهم العقلية ، وإن كان يستغنى عن ذكرها بما ذكرنا . فنقول : الأول من دلائلهم أنهم قالوا : (( إن الأمام يجب أن يكون معصوماً ، وغير الأمير من الصحابة لم يكن معصوماً هو إماماً لا غيره )) ، وهو المدعى . ولا يخفى أن تقرير الاستدلال ناقص لا يفيد المدعى ، لأن الدعوى مركبة من ثبوت الإمامة للأمير وسلبها عن غيره . والدليل المذكور لا يلزم منه إلا سلب مفهوم كل أحد غير الأمير من الصحابة عن ذات متصفة بالإمامة فقط ، وهو غير مطلوب ، فالاستدلال الصحيح بعكس ترتيب هذا القياس المذكور ، وضم قياس آخر إليه من الشكل الأول فيفيد مجموعهما المدعي ، وهو هكذا : (( لم يكن أحد غير الأمير من الصحابة معصوماً ، وكل إمام يجب ان يكون معصوماً )) على الضرب الثاني من الشكل الثاني ، ونتيجة هذا القياس
 -----------------------
( 1 ) انظر ص 99 – 100
سالبة كلية وهي (( لم يكن أحد غير الأمير منهم إماماً )) فيحصل منه سلب الإمامة عن غير الأمير من الصحابة . والقياس الآخر (( إن الأمير كان معصوماً ، وكل معصوم يكون إماماً ، فالأمير يكون إماماً )) فيلزم منه ثبوت إمامته ، فمجموع هذين القياسين تثبت به الدعوى وهو المطلوب . ويجاب عن الأول بمنع الكبرى أعني (( كل إمام يجب أن يكون معصوماً )) وبمنع استثناء الأمير منهم في الصغري ، وأسنادهما أقوال الأمير الآتية ، وبهذا المعنى يرد المنع على الصغرى التى جعلها المستدل كبرى قياسه ، وإلا فهي مسلمة بالضرورة فلا يصح منعها ، ويجاب عن الثاني بمنع الصغرى وسنده سند منع الاستثناء ، وبفوات بعض الشروط من كلية كبراه لأن المعصوم عام فإن الأنبياء والملائكة وفاطمة ( 1 ) معصومون وليسوا بأئمة بالمعنى المتنازع فيه ، فحمل (( الإمام )) على جميع أفراده لا يمكن ، وعلى بعض أفراده يجعل القضية جزئية وهي لا تصلح لكبروية الشكل الأول لاشتراط كليتها ، فافهم .
وقال المؤلف ( 2 ) : وفي هذا الدليل تكون الصغرى والكبرى ممنوعتين ، أما الصغرى فلأن الأمير نص بقوله (( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار )) إلخ على أن الشورى لهم فقط ، وبديهي أن الجماعة الذين جعلهم المهاجرون والأنصار خلفاء لم يكونوا معصومين ، فعلم قطعاً أن العصمة ليست بشرط في الإمامة أصلاً . وأيضاً لما سمع الأمير ما قال الخوارج (( لا إمرة )) قال (( لابد للناس من أمير أو فاجر )) كذا في ( نهج اليلاغة ) . سلمنا . ، ولكن العلم بأنه معصوم لا يمكن حصوله لغير النبي ، لأن أسباب العلم كلها ثلاثة أشياء : الحواس السليمة ، والعقل ، وخبر الصادق . ولا سبيل لأحد منها إلى تحصيله . أما الأول فظاهر إذ العصمة هي الملكة النفسانية المانعة من صدور الذنوب والقبائح غير المحسوسة ، وأما الثاني فلأن العقل ايضاً لا يدرك تلك الملكة إلا بطريق الاستدلال بالأفعال أحد بخصوصه وآثاره خصوصاً نيات القلب ومكنونات الضمائر – من العقائد الفاسدة والحسد والبغض والعجب والرياء وغيرها من ذمائم الأخلاق – لا يمكن أولاً حصوله ، ولو سلمنا أنه حاصل ولكن يجوز حصول ما هو حاضر من جميع الأفعال والآثار الحسنة الباقية فإنها يمكن العلم بها ، وأما ما مضى وما سيأتى من تلك الأفعال والآثار فلا سبيل لأحد إلا الله إلى العلم بها ، لأن أحوال بنى آدم كثيراً ما تتغير آناً فآناً يمكر الشيطان وإغواء النفس وقرناء السوء فيصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً ويمسى مؤمناً ويصبح كافراً . أما سمعت قصة برصيصاء الراهب وبلعم بن باعورا وهي كافية للعبرة في هذا الباب ، والدعاء المأثور
-----------------------
( 1 ) أي في أعتقاد الخصم .
( 2 ) أي شاه عبد العزيز الدهلوي ابن شاه ولى الله الدهلوي رحمهما الله .
(( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك )) دواء شاف لداء الشبهة والشك في هذا الامر . ولو فرضنا أنها علمت ، ولكن كيف تدرك حقيقة العصمة التى هي امتناع صدور الذنب ؟ غاية الأمر فيه أنا نعلم عدم الصدور منه وهي مرتبة المحفوظية ، ولا يجزئ هذا القدر من العلم في إدراك العصمة ما لم يوجد العلم بالامتناع . واما الثالث فلأن خبر الصادق قسمان : إما متواتر ، وإما خبر الله ورسوله . وظاهر أن المتواتر لا دخل له ههنا لأن المتواتر يشترط انتهاؤه إلى المحسوس في إفادة العلم الضرورى ، فلا يكون في غير المحسوسات – مثل ما نحن فيه – مفيداً وإلا يكن خبر الفلاسفة بقدم العالم مفيداً للعلم الضروري وهو باطل بالإجماع ، وخبر الله ورسوله لا يكون موجباً للعلم في هذا الباب على أصول الشيعة : أما أولاً فلأن البداء في الإخبار جائز عندهم ( 1 ) ، فيجوز أن يخبر في وقت بعصمة رجل ثم بفسقه في وقت آخر ، وأحد الخبرين وصل إلينا دون الآخر ، وبجوز البداء في الإرادة أيضاً إجماع الشيعة فيحتمل أن تتعلق الإرادة في وقت بعصمة رجل وفي وقت آخر بفسقه ، فارتفع الاطمئنان بأن هذا الرجل يبقى على عصمته إلى آخر العمر . وأما ثانياً : فلأن وصول خبر الله ورسوله إلى المكلفين إما بواسطة معصوم أو بواسطة تواتر ، ففي الشق الأول يلزم الدور الصريح ، وفي الشق الثاني يلزم خلاف الواقع ، لأن كل تواتر ليس مفيداً للعلم القطعي عند الشيعة ، كتواتر المسح على الخف ، وغسل الرجلين في الوضوء ، وإلى المرافق ، وأمه هي اربى من أمة في كلمات القرآن ، وصيغة التحيات في قعدة الصلاة ، وأمثال ذلك . فلابد من أن يعين تواتر خاص . وذلك أيضاً غير مفيد ، إذ حصول العلم القطعي من التواتر يكون بناء على كثرة الناقلين وبلوغهم إلى ذلك المبلغ فقط ، ولما كذب الناقلون في مادة أو مادتين أرتفع الاعتماد عن اقسامه كلها . ولا يمكن أن تجرى هذه الوجوه في عصمة الأنبياء لأن ثبوتها باخبارهم الصادقة ، وقد ثبت صدقهم في كل ما أدعوا بظهور المعجزات الباهرة ، فلا يقاس عليهم من عداهم من العباد ولو إماماً فإنه أيضاً تابع والتابع دون المتبوع لا محالة ، فلا يستقيم بها النقض على ما قاله السائل لاختلاف المادة ، مع أنه سند منع بصورة الاستدلال عن مقالة بحق أو مشورة بعدل ، فإنني لست بفوق أن اخطئ ، ولا آمن من ذلك في فعلي )) كذا في ( نهج البلاغة ) وظاهر أن هذا القول لا يصدر من المعصوم ، خصوصاً إذا كانت واقعة في أخر الكلام (( إلا أن يلقى الله في نفسى ما هو أملك به مني )) فإنه دليل صريح على عدم العصمة . لأن المعصوم بملكه الله نفسه كما ورد في الحديث (( إنه كان أملكم لأربه )) . وأيضاً مروى في دعاء الأمير (( اللهم أغفر لي ما تقربت به إليك ثم خالفه قلبي )) كذا أورده
-----------------------
( 1 ) أنظر الكلام على (( البداء )) في ص 16 و 21 .
الرضى في ( نهج البلاغة ) .
الدليل الثاني ( 1 ) : أن الإمام لابد من أن لا يرتكب الكفر قط ، لقوله تعالى  لا ينال عهدي الظالمين  والكافر ظالم لقوله تعالى  والكافرون هو الظالمون  ولقوله تعالى  إن الشرك لظلم عظيم  وغير الأمير من الصحابة كلهم كانوا عبدوا الأصنام في الجاهلية فيكون هو إماماً دون غيره .
ولا يذهب على العارف ان هذا الدليل – مع كونه ناقصاً ما مر – فاسدة بالمرة ، فلابد أن يغير بوجه آخر صحيح . وذلك أن يقال : لم يكن أحد من الصحابة غير الأمير مؤمناً من بدء التكليف ، وكل إمام يجب أن يكون مؤمناً كذلك . والقياس الآخر : إن الأمير كان مؤمناً كذلك ، وكل من يكون مؤمناً كذلك فهو إمام ، ويجاب عن الأول بمنع الكبرى ، وسنده الإجماع على عدم الاشتراط في الإمامة بهذا الشرط ، وعن الثاني بالنقض لأنه يلزم منه أن يكون كل من هو كذلك من آحاد الأمة إماماً ، ولا أقل من لزوم إمامة نحو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، لا يقال أشتراط العصمة يدفعه لأنا نقول إن ذلك الاشتراط بعد تسليمه لا يعتبر في هذا الدليل فالتعدد باطل ، بل الثاني يصير حشواً محضاً أولاً فالانتقاض ضرورى لا مرد له .
وقال المؤلف : وأجيب بان هذا الشرط لم يذكره في بحث الإمامة أحد من اهل السنة والشيعة ، ولكن خرط الشيعة هذا الشرط حين عمدوا إلى نفي الخلافة عن الخلفاء الثلاثة ، ولهذا لم يذكر في آية ولا حديث ، بل من اسلم بعد كفره مائة سنة ومن كان مسلماً من سبعين بطناً متساويان في الدين والإسلام ، ولم يعتبر هذا الشرط فإنه لغو وحشو ، والتمسك بآية  لا ينال عهدي الظالمين  ههنا ليس إلا من المغالطة ، إذ مفاد الاية أن الرياسة الشرعية لا تنال الظالم ، لأن العدالة في جميع المناصب الشرعية – من الإمامة الكبرى والقضاء والاحتساب والإمارة وغيرها – شرط لتحقيق فائدة ذلك المنصب ، ونصب الظالم في أى رياسة موجب لفسادها ، فبين الكفر والظلم والإمامة منافاة ، ولا يجتمع التنافيان في وقت واحد في ذات أصلاً ، وهذا هو مذهب جميع أهل السنة أن الإمام لابد أن يكون وقت الإمامة مسلماً عادلاً ، لا أنه لم يكن قبل الإمامة كافراً وظالماً ، ومن كفر أو ظلم ثم تاب عنه من بعد ذلك واصلح فلا يصح أن يطلق عليه أنه كافر أو ظالم أصلاً في لغة وعرف وشرع ، إذ قد تقرر في الأصول أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفي غيره مجاز ، ولا تكون المجاز أيضاً مطروداً بل حيث يكون متعارفاً ينبغي أن يطلق هنالك ، كما تقرر في محله ان المجاز لا يطرد وإلا لجاز (( نخلة )) لطويل غير الإنسان ،
 ---------------------
( 1 ) أي من أدلتهم العقلية .
و (( صبي )) لشيخ ، وهي سفسطة قبيحة ، كذا النائم للمستيقظ والفقير للغني والجائع للشبعان والحي للميت وبالعكس . وقد روى الزاهدي في حديث طويل أن أبا بكر قال للنبي  بمحضر من المهاجرين والأنصار (( وعيشك يا رسول الله ، إني لم اسجد للصم قط ، فنزل جبريل وقال : صدق أبو بكر )) وكذلك ذكر أهل السير والتواريخ في أحوال أبي بكر أنه لم يسجد لصم قط ، فصحت إمامته بملاحظة هذا الشرط أيضاً وصارت إجماعاً والحمد لله .
الدليل الثالث ( 1 ) : أن الإمام لابد أن يكون منصوصاً عليه ، ولا يوجد نص في غير الأمير ، فغيره لا يكون إماماً بل هو الإمام .
والجواب بعد أن نذكر ما اسلفنا في تصحيح الدليل الأول من عكس الترتيب وضم قياس آخر معه ان المقدمتين ممنوعتان : أما منع الصغرى فلما مر من قول الأمير : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن أختاروا رجلاً وسموه إماماً كان لله رضا . وأما منع الكبرى فلأنه لو وجد النص في علي ، فأما في القرآن أو الحديث فقد مر الأمران جميعاً . ولأنه لو وجد النص لكان ماتواتراً إذ لا عبرة للأحاد في الأصول ، ولا أقل من أن يعرفه أهل بيته ، وهم قد انكروه ( 2) ، ولآنه لو وجد النص في الإمام لوجد في كل الأئمة ، وقد أختلف أولاد كل إمام بعد موته في دعوى الإمامة ، ولأنه لو وجد النص لما وقع الاختلاف بينهم ، ولأنه لو وجد النص فإما أن يبلغه النبي  إلى عدد التواتر أو لا ، وعلى الأول إما أن يكتموه عند الحاجة إلى إظهاره أو يظهروه ، ولا سبيل إلى الثاني بالإجماع ، والأول يرفع الأمان عن التواتر ويستلزم كذب المتواترات ، وإن لم يبلغه النبي  إلى عدد التواتر لم تلزم الحجة فيه على المكلفين فتنتفى فائدة النص ، بل يلزم ترك التبليغ في حق النبي وهو محال .
الدليل الرابع : أن الأمير كان متظلماً ومتشكياً من الخلفاء الثلاثة دائماً في حياته ، وبين أنه مظلوم ومقهور ، وما ذاك إلا لغضب الإمامة منه ( 3 ) فتكون الإمامة حقه دون غيره ، إذ الأمير صادق بالإجماع .
وانت تعلم ان هذا الدليل غير مذكور بتمامه ، فإن كبراه مطوية وهي (( وكل من كان كذلك فهو إمام )) فيلوم من بعد تسليمه أن يكون كل ما أوذوا وظلموا حقيقة أئمة ، وهذا خلف ، واعتبار القيود الآخر يبطل التعدد ويجعله حشواً .
---------------------------
( 1 ) أي من الدلائل العقلية التي يستدل بها الشيعة .
( 2 ) كما تقدم النقل في ص 161 عن الحسن المثني ابن الحسن السبط رضوان الله عليهما .
( 3 ) أي فيما يزعمه الشيعة وتدعى أنه من أدلتها على ما تذهب إليه .
وأجيب عن هذا الدليل بمنع صحة تلك الروايات ، لأن أهل السنة لم يثبت عندهم إلا روايات الموافقة ، والمناصحة ، والثناء بالجميل ، ودعاء الخير فيما بينهم ، والمعاونة والإمداد ونحوها . وأكثر روايات الإمامية في هذا الباب موافقة لروايات كما تقدم نقله عن الأمير في نهج البلاغة في قصة عمر ، ومن ثنائه عليهم بالخير في حياتهم وبعد موتهم ، وارتضائه بأعمالهم وشهادته لهم بالنجاة والفوز . وروايات أهل السنة في هذا الباب أكثر من أن يحصى . ولنذكر منها هنا رواية واحدة رواها الحافظ ابو سعيد ابن السمان في ( كتاب الموافقة ) وغيره من المحدثين عن محمد بن عقيل بن أبي طالب أنه لما قبض أبو بكر الصديق وسجى عليه أرتجت المدينة بالبكاء ، كيوم قبض رسول الله  ، فجاء علي باكياً مسترجعاً وهو يقول (( اليوم أنقطعت خلافة النبوة )) فوقف على باب البيت الذى فيه أبو بكر مسجي فقال (( رحمك الله أبا بكر ، كنت إلف رسول الله وأنيسه ومستروحه وثقته وموضع سره ومشاورته ، كنت أول قومه إسلاماً وأخلصهم إيماناً ، وأشدهم يقيناً ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل ، أحوطهم لرسول الله وأشفقهم عليه ، وأخد بهم الإسلام ، وأمنهم على أصحابه ، وأحبهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ، وأفضلهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله  هدياً وسمتاً ورحمة وفضلاً وخلقاً ، وأشرفهم عنده منزلة ، أكرمهم عليه ، وأوثقهم عنده . جزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً . كنت عنده بمنزلة السمع والبصر ، صدقت رسول الله حين كذبه الناس فسماك الله في تنزيله صديقاً فقال عز وجل  والذى جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون  فالذى جاء بالصدق محمد  ، وصدق أبو بكر . وأسيته حين بخلوا ، وقمت معه عند المكاره حين عنه قعدوا وصحبته في الشدة أحسن الصحبة ثاني الاثنين وصاحبه في الغار والمنزل عليه السكينة ورفيقه في الهجرة وخليفته في دين الله عز وجل . أحسنت الخلافة حين ارتد الناس وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي . نهضت حين وهن أصحابك وبرزت حين استكانوا وقويت حين ضعفوا ولزمت منهاج رسول الله  في أصحابه إذ كنت خليفته حقاً ولم تنازع ولم تقذع برغم المنافقين وكيد الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين وزيغ الباغين قمت بالأمر حين فشلوا ونظفت حين تعتعوا ومضيت نفوذاً إذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم قوة وأقلهم كلاماً وأصوبهم منطقاً وأطولهم صمتا وأبلغهم قولاً وأكبرهم رأياً وأشجعهم وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملاً . كنت والله للدين يعسوبا حين نفر الناس عنه وآخراً حين فشلوا .
كنت للمؤمنين أباً رحيماً إذ صاروا عليك عيالاً تحملت أثقال ما ضعفوا عنه ورعيت ما أهملوه وحفظت ما أضاعوا وعلوت إذ هلعوا وصبرت إذ جزعوا وأدركت أوطار ما طلبوا ورجوا . أرشدتهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا وجليت عنهم فأبصروا . كنت على الكافرين عذاباً واصباً وللمؤمنين رحمة وأنساً وخصباً فطرت والله بعبابها وفزت بجنابها وذهت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تفلل حجتك ولم نضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يزغ قلبك كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف . كنت كما قال رسول الله  : أمن الناس عليه في صحبتك وذات بلدك . وكما قال : ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله جليلاً في أعين المؤمنين كبيراً في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع . الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق . والقريب والبعيد عندك سواء . أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وجزم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم حتى بلغت والله بهم السبيل وسهلت العسير وأطفأت النيران واعتدل بك الدين وقوي الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ووكره الكافرون ، فسبقت والله سبقاً بعيداً وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً وفزت بالخير فوزاً مبيناً فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك وهدت مصيبتك الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون )) . وهذه خطبة واحدة من الأمير في مدح أبي بكر ولو أحصينا جميع خطب الأمير وكلماته في فضائل أبي بكر وعمر ومدحهما المروية في كتب أهل السنة بالطرق الصحيحة لبلغت مفرداً كنهج البلاغة بل أطول منه .
فإن قلت إن روايات الشيعة في باب تظلم الأمير وشكايته إن كانت كلها موضوعة من رؤسائهم فإن مما يستبعده العقل أن جمعاً كثيراً اجتمعوا على الافتراء على الأمير فلا بد من منشأ للغلط فذلك المنشأ ما هو ؟ قلت : إن رواتهم كما كذبوا على الأئمة كانوا يكذبونهم كما ورد ذلك عنهم فيما تقدم ، وكذبوا عليهم أيضاً في المطاعن على الصحابة . وغاية ما في الباب أن مكذبات تلك الروايات وصلت إلى الشيعة أيضاً بطرقهم الأخر ومكذبات روايات المطاعن على الصحابة ما وصلت من طرق الشيعة إليهم أو وصلت ولم يفهموا منها للتكذيب الصريح لتلك الروايات كما نقل من الصحيفة الكاملة ونهج البلاغة ولما اجتمعت فرق الشيعة على بغض الصحابة واعتقاد السوء في حقهم لم يرووا ما يكذب تلك الروايات ولم يظهروه بل قصدوا تأييد كذب أوائلهم حيث صار هذا التأييد أهم المطلوب عندهم فمن ثمة صار هذا الكذب إجماعياً لهؤلاء الفرق وأما الأكاذيب الأخر التي في العقائد الإلهية فرواها بعضهم وكذبها بعضهم .
الدليل الخامس : أن الأمير ادعى الإمامة وأظهر المعجزة على وفق دعواه كقلع باب خيبر وحمل الصخرة العظيمة ومحاربة الجن ورد الشمس بعد غروبها فكان في دعواه صادقاً فكان إماماً (1) .
وهذا الطريق في تقرير الكلام مأخوذ من استدلال أهل السنة في إثبات نبوته  ولكن بينهما مشابهة في صورة الكلام دون صحة المقدمات فإنها ممنوعة منعاً ظاهراً أما أولاً فلأن ذكر المعجزة في إثبات الإمامة إنما هو خطأ محض فكيف يسلم ؟ إذ المعجزة لإثبات النبوة دون الإمامة وغيرها من المناصب الشرعية كالقضاء والإفتاء والاجتهاد وسلطنة الناحية وإمارة العسكر والوزارة وأمثالها . ووجهه أن بعثة النبي  لما كانت من قبل الله تعالى بلا واسطة لم يمكن إثبات نبوته بدون تصديق الله تعالى بخلق المعجزة على يده حين التحدي بخلاف هذه المناصب فإنها تثبت بقول النبي أو بتفويضها إلى الأمة وأيضاً دلالة المعجزة منحصرة في حق الأنبياء عليهم السلام فلو استدل أحد من غيرهم بها لم يكن استدلاله معتبراً في الشرع . ولما كانت الإمامة متعينة بتعيين النبي أو باختيار أهل الحل والعقد لم يجز أن تكون المعجزة دليلاً عليها على أن روايات الإمامية مكذوبة لقول من يقول بادعاء الأمير للإمامة في خلافة الخلفاء الثلاثة وكذلك ما يقولون من وجوب التقية ومن أن الرسول أوصى الأمير بالسكوت كما تقدم وظهور خوارق العادات والكرامات من الأمير مسلم الثبوت ولكن ليس ذلك مخصوصاً فيه لصدور مثل ذلك من الخلفاء الثلاثة والصحابة الآخرين وصلحاء الأمة أيضاً على أن قلعة لباب خيبر وقع في زمن النبي  وإظهار المعجزة قبل الدعوى غير محتاج إليه ولا تثبت به الدعوى . ومحاربة الجن لا أثر لها في كتب أهل السنة بل هي مروية بمحض رواية الشيعة هكذا : إن النبي  لما خرج إلى غزوة بني المصطلق أخبره جبريل في أثناء الطريق بأن الجن اجتمعت في البئر الفلانية وتريد أن تكيد لعسكركم فأرسل النبي الأمير عليهم فقتلهم ! فلو صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات النبي  وكذا رفع الصخرة العظيمة ليس موجوداً في كتب الشيعة أن الأمير لما توجه إلى صفين عطش يوماً أصحابه في أثناء المرور بفقد الماء فأمر الأمير بأن يحفروا موضعاً قرب صومعة راهب فظهرت في أثناء الحفر صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فأخبروا بها الأمير فنزل فرفعها من هنالك ورماها إلى مسافة بعيدة وظهرت تلك الصخرة عين الماء فشرب أهل العسكر فلما شاهد راهب تلك الصومعة هذا الأمر أسلم وقال : نحن وجدنا في الكتب القديمة أن رجلاً كذا وكذا ينزل
-----------------------
( 1 ) هذه الخوارق المنسوبة إلى أمير المؤمنين قد نبه حفاظ الحديث على ضعفها ووضعها منهم السخاوي في المقاصد وملا على القارى في موضوعاته لذلك لا يصح الاستدلال بها وأمير المؤمنين أهل لكل كرامة ولكن صحة الروايات ضرورية لقبول الأخبار .

قرب هذا الدير ويرفع هذه الصخرة ويكون على الدين الحق . وبالجملة إن ثبتت هذه الكرامة تكون كسائر كراماته t ، وليست دعوى الإمامة مذكورة هنا ، ولم تقع هذه القصة في مقابلة أهل الشام أيضاً . وأما رد الشمس فأكثر محدثي أهل السنة كالطحاوي وغيره صححوه وعدوه من معجزات النبي بلا شبهه إذ أرجع الشمس بعد غروبها ليحصل وقت صلاة العصر للأمير بدعاء النبي  ، ولتكون صلاته أداء . وأين كانت في ذلك دعوى الإمامة ؟ ومن كان حينئذ منكراً ومقابلاً له ( 1 ) ! .
                الدليل السادس أن الشيعة قالوا : ما روى أحد من الموافق والمخالف ما يوجب الطعن والقدح في الأمير ، بخلاف الخلفاء الثلاثة فإن الموافق والمخالف رويا القوادح الكثيرة في حقهم بحيث يسلب أستحقاق الإمامة عنهم ، فالأمير الذى هو سالم عن قوادح الإمامة يكون متعيناً لها .
                ولا يخفى أن هذا الدليل – على ما بيناه في تصحيح دلائلهم سابقاً – ليس على ما ينبغي من طريق القياس الذى يستدل به على المطلوب ، فإن ما ذكره المدعى ههنا إنما هو بيان لإثبات الصغرى في كلا القياسين اللذين يستدل بمجموعهما على المطلوب ، وهما هذا : أن كلاً من الخلفاء الثلاثة دون الأمير مقدوح فيه ومطعون عليه بما يسلب عنهم استحقاق الإمامة ، وكل من كان كذلك فليس إماماً ، والأمير سالم من ذلك ، وكل من كان كذلك فهو إمام ، لأن كلاً من الموافق والمخالف روى في حقهم ولم يروا في حقه القوادح الموجبة لسلب استحقاق الإمامة . ويجاب بأنا لا نسلم السلامة من القوادح ، ولا الطعن بها ، في حقه وحقهم مطلقاً ، ولا رواية الموافق تلك القوادح ايضاً ، ولا سلب ماروى المخالف الاستحقاق عنهم ، ولا كونها حقه ، وكل ذلك ممنوع منعاً ظاهراً ، لأن الخلفاء الثلاثة كما روى المخالفون ( وهم الشيعة وإخوانهم ، لا الموافقون الذين هم أهل السنة وامثالهم ) القوادح الباطلة في حقهم ، كذلك رواها في حق الأمير مخالفوه من الخوارج وغيرهم دون من يوافقونه من أهل السنة والشيعة ، فلا سلامة ولا قدح من كل وجه ، ولا ضير بالقوادح الباطلة من المخالف في الجانبين ، فقد تبين أن حالة كحالهم مطلقاً . وأما كبرى القياسين فالأولى منقوضة بالأنبياء  عليهم السلام لأنهم قد قدح فيهم وطعن عليهم المبطلون ، وكل ما يمنع تحقق العالم يمنع تحصل الخاص بالضرورة . والأخرى بمن سلم منها باتفاق الفريقين كابن عباس وأبي ذر وعمار وأمثالهم ، وإذا دريت هذا فأنظر أن الذين قالوا
---------------------------
( 1 ) الظاهر في مسألة رد الشمس أن الشيعة سمعوا من علماء أهل السنة أحتجاجهم بأن ذلك في زمن النبي  يعد من المعجزات المحمدية ، فتمادوا بعد ذلك في أختراع أن الشمس ردت لعلي مرتين . ولما كان الإمام ابن حزم يناظر الرهبان الاسبانيين في صحة الاناجيل أحتجوا عليه بأن الشيعة يطعنون في صحة القرآن ، فروى في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) ج 2 ص 78 طبعة 1321 أنه قال لهم : (( إن الروافض ليسوا من المسلمين ، وأقلهم غلوا يقولون إن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين ، فقوم هذا أقل مراتبهم في الكذب ، أيستشفع منهم كذب يأتون به ؟ ! ))
بامامة الخلفاء الثلاثة وهم اهل السنة والمعتزلة لم يرووا من قوادحهم قط ، بل قرر الشيعة بسبب بغضهم وعنادهم للخلفاء الثلاثة بعض الشياء بطريق المطاعن والقوادح ، ليست تلك الأشياء في الحقيقة محلاً لطعن وقدح أصلاً كما سيأتي في المطاعن ، ولو كانت محلاً لها لكانت على الأنبياء والأئمة أيضاً مطاعن ، بل من يطالع كتب الشيعة بالتأمل يجدها مملوءة بالمطاعن في الأنبياء والأئمة ، وما قالوا من أن أحداً من الموافق والمخالف لم يروا ما يقدح في حق الأمير فحبط آخر ، لأنهم إن أرادوا بالمخالف أهل السنة فلا يجدى لهم نفعاً ، فإن أهل السنة لما كانوا معتقدين بصحة إمامته لم يروا قوادحه ، وإن أرادوا به الخوارج وأمثالهم فكذب صريح فإنهم قد سودا الدفاتر الطويلة والزبر الكثيرة في هذا الباب ( 1 ) ، ومن جملة من ذكر المطاعن الأمير عبد الحميد المغربي الناصبي في كتابه ، وقد دفع كثيراً منها ابن حزم من علماء أهل السنة في كتابه ( الفصل ) والشريف من علماء الشيعة في ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) وأعرضنا عن ذكر تلك المطاعن عنها لأن ذكرها مما لا يليق بنا في هذا الكتاب .
                تتمة لبحث الإمامة : أعلم أن القدر المشترك في جميع فرق الشيعة المجمع عليه بينهم إنما هو كون الأمير t إماماً بلا فصل ، وإمامة الخلفاء الثلاثة باطلة ولا أصل لها . وقد تبين باوضح البيان إبطال أهل السنة عليهم هذا القدر المشترك ، وأتضح حق الأتضاح مخالفة هؤلاء الفرق كلهم في ذلك القدر بجميع وجوهه لنصوص الكتاب المجيد وأقوال العترة الطاهرة . وأما بعد هذا القدر المشترك فلهم أختلاف كثير فيما بينهم بحيث أن بعضهم يضللون ويكفرون ويبطلون بعضاً آخرين ويشنعون عليهم ، وكفى الله المؤمنين القتال ، فقد سقط عن أهل السنة عبء تلك المجادلة الباطلة فلا حاجة بذكر الاختلافات في هذا الكتاب الذى الف لما بين أهل السنة والشيعة خاصة .
ولنذكر قليلاً من أقوالهم في شروط الإمامة ومعناها وتعيين الأئمة وعددهم تنبيهاً على ان كثرة الاختلاف في شئ دليل على كذبه ، ليتقلب عليهم طعنهم الوارد منهم على أهل السنة باختلاف الفروع ، لأن أختلافهم في الأصول ، وظاهر أن أديان الأنبياء السابقين كانت مختلفة في الفروع فقط ومتفقة في الأصول كما قال الله تعالى  شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً  الآية . فالدين الذى تكون أصوله مختلفاً فيها هو أعجب الأديان بال هو باطل كملة الكفر إذ هو حينئذ لا يشبه بدين من أديان الأنبياء الماضيين فضلاً عن دين الإسلام .
-----------------------------------
( 1 ) ولا سيما في مراثيهم لقتلى النهروان . والخوارج كانوا اصحاب علي وجنده في صفين والجمل .
ثم لا يخفى ان معنى الإمامة عند الغلاة ( 1 ) محض الحكومة وإجراء الأحكام والأوامر والنواهي وشان من شئون الألوهية ، وعند غيرهم معناها نيابة عن النبي ، في امور الدين والدنيا . والزيدية  قاطبة لا يشترطون العصمة في الإمامة ، ولا يحسبون النص في حقه ضرورياً ايضاً ، بل الأفضلية عندهم لازمة ايضاً ، وإنما معنى الإمامة عندهم الخروج بالسيف ، ويعتقدون الإظهار من عمدة شرائط الإمامة . والإسماعيلية – إلا النزارية – يشترطون العصمة ، وأما النزارية فهم لا يثبتونها بل يقولون : إن الإمام غير مكلف بالفروع ، ويجوز له كل ما اراد من السوء والفحشاء كاللواطة والزنا وشرب الخمر ونحوها . ونقل شيخ الطائفة ( 2 ) أبو جعفر الطوسي في ( التهذيب ( 3 ) ) عن شيخه الملقب بالمفيد أنه قال : إن أبا الحسين الهاروني كان اولاً شيعياً قائلاً بالإمامة ثم لما ألتبس عليه امر التشيع بسبب كثرة اختلاف الإمامية ، ووجد أخبارهم متناقضة متعارضة بغاية الكثرة والشدة رجع عنه وصار شافعياً ومن كانوا استفادوا وتلمذوا منه في مدة عمره هذه اتبعوه في الرجوع وتبرأوا من المذهب . والحق أن من تأمل في هذا المذهب تاملاً صادقاً وعثر على أخبار أصحابه واختلاف أقوالهم كا ينبغي فقد علم باليقين ان سبيل النجاة في هذا المذهب مسدود ، وطريق الخلاص من مضيق التعارض فيه مفقود ، فبالضرورة يتركه ويرجع إلى المذاهب الأخرى إن كان من أهل الحق . وتفصيل ذلك أن الشيعة لهم روايات كثيرة متعارضة عن أئمتهم ، بحيث يررون عن كل إمام كلاماً مخالفاً للإمام الآخر ومخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله ، واحتمال النسخ هنا منتف البتة ، إذ ناسخ كلام النبي لا يكون إلا نبياً آخر ، ولا يجوز للإمام أن ينسخ أحكاماً إلهية أو سنن النبي ، وإلا فالإمام لا يكون إماماً ، إذ الظاهر أن الإمام نائب لا مخالف له ولا نبي مستقل . وأيضاً لو قلنا بالنسخ لقلنا بالضرورة : إن الإمام المتأخر ناسخ لكلام الإمام المتقدم ، فصار لو قلنا بالنسخ لقلنا بالضرورة : إن الإمام المتأخر ناسخ لكلام المتقدم ، فصار مدار العمل على روايات الإمام المتأخر مع أن هؤلاء الفرقة قد أجمعوا في كثير من المواضع على العمل بروايات المتقدم . وأيضاً يمتنع النسخ في الأحكام
----------------------------
( 1 ) نبه المامقاني في غير موضع من كتابه ( تنقيح المقال في أحوال الرجال ) وهو أعظم كتب الشيعة في الحرج والتعديل على ان الذين كان قدماء الشيعة بأنهم من غلاة الشيعة ويجرحون رواياتهم بسبب ذلك وصاروا يعدون الآن عند الشيعة المتأخرين بانهم غير غلاة ، لأن ما كان يسميه قدماء الشيعة غلواً في التشيع هو الآن من اصول العقيدة الإمامية ، والشيعة في العصور المتأخرة كلهم على عقيدة الغلو ، وليس لهم عقيدة غيرها : لذلك ذهب المامقاني إلى ضرورة العدول عن جرح روايات الذين كانوا يعدون غلاة ، وافتى بوجوب تعديلهم ، لأن التشيع نفسه تطور وصار أهله الآن كلهم على مذهب الغلاة القدماء .
( 2 ) أي الطائفة الأثني عشرية .
( 3 ) كتاب ( التهذيب ) احد الكتب الأربعة التى عليها مدار مذهب الشيعة . وهذه العبارة بشأن أبي الحسين الهاروني في خطبة كتاب التهذيب مع الإسهاب في الاعتراف بأن الشيعة أشد الفرق أختلافاً في مسالئلهم وأحكامهم وأن ذلك دليل على فساد الأصل .
المؤبدة ايضاً فزال أحتمال الناسخ بالكلية . ووجوه ترجيح أحد الخبرين على الأخر لتوثيق رواتهم مطلقاً مسدودة ، لأن عدة كتب في مذهبهم قرروها كالوحي المنزل من السماء وما أتى به أحد يحسبه الآخر من تراب الأرض ، فلو وثقناهما كلها بزعم علمائهم لا يمكن ترجيح بعضها على بعض ، وإذا قلنا ما قال بعض الإخباريين في حق بعضهم وشرعنا في الطعن والجرح عليهم بناء على قولهم يصيرون كلهم مطعونين ومجروحين فلم يظهر سبيل للترجيح اصلاً ، فبالضرورة لزم تساقط رواياتهم ، انجز الأمر إلى تعطيل الاحكام . وهذه كلها في روايات فرقة واحدة منهم كالأثني عشرية مثلاً ، إذ كل عالم منهم يروى مخالفاً لرواية الآخر ، مثلاً جمع منهم رووا باسانيد صحيحة أن المدى لا ينقص الوضوء ، وجمع أخرون رووا كذلك أنه ينقض الوضوء . وجماعة روت ان سجدة السهو لا تجب في الصلاة  وجماعة روت أنها تجب فيها ، والأئمة أيضاًُ سجدوا للسهو . وبعضهم يروون أن إنشاد الشعر ينقض الوضوء ، وبعضهم يروون أنه لا ينقضه وجمع يروون أن المصلي إن لعب عبث بلحيته أو بأعضائه الآخر لا تفسد صلاته ، وجمع يرون أن المصلي أن يلعب بخصيتيه وذكره تجز صلاته . وهذه الأحوال توجد في جميع اخبارهم كما يشهد بذلك كتاب الفقيه . ومن تصدى من علمائهم للجمع بين الروايات فقد أتى باعمال عجيبة ، وقد قدموا في هذا الآمر شيخ طائفتهم صاحب التهذيب ( 1 ) وغاية سعيه هو الحمل على التقية ، وقد حمل في بعض المواضع على التقية شيئاً ليس ذلك مذهب أحد من المخالفين أو كان مذهباً ضعيفاً بأن المخالفين لم يذهبوا إليه إلا احد أو أثنان أختاروه ، وظاهر أن الأئمة العظام لم يكونوا جبانين خائفين بهذا القدر حتى يبطلوا عباداتهم بتوهم أنه لعل أحداً أختار هذا المذهب ويكون حاضراً في هذا الوقت ، معاذ الله من سوء الاعتقاد في جناب الأئمة ! وفي بعض المواضع حمل جملة من الخبر على التقية ، وترك مدلول الجملة الثانية منه الذى هو مخالف لمذهب أهل السنة على حاله ، ولو كانت التقية فلا معني في أختيار التقية في جملة غير مخالفة ، والإظهار في جملة أخرى هي مخالفة لمذهب اهل السنة ، فهل هم يعتقدون أن الأئمة كانوا – معاذ الله – براء من العقل والفهم ؟ مثاله خبر علي t أن النبي  امره بغسل الوجه مرتين وبتخليل أصابع الرجلين حين غسلهما ، مع أن غسل الوجه مرتين مذهب الشيعة لا مذهب اهل السنة فإنهم قد اجمعوا على كون التثليث مسنوناً فلزم الجمع بين الإظهار والتقية ! وقد ارتكب في بعض المحال تأويلات ركيكة بحيث اسقط كلام الإمام عن علو مرتبة البلاغة فمن تاويلهم لكلام السجاد الوارد عنه في
--------------------------
( 1 ) هو محمد بن حسن الطوسي المتوفي سنة 381 ، وتقدم ان ( التهذيب ) أحد الكتب الأربعة التى عليها مدار مذهبهم ، وهو نفسه مؤلف كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) أراد أن يكون في الفقيه للشيعة ككتاب ( من لا يحضره الطبيب ) في الطب لمحمد بن زكريا الرازي .

دعائه أنه قال (( إلهي عصيت وظلمت وتوانيت )) وهذا الدعاء عن الأئمة الآخرين أيضاً في كتبهم الصحيحة ، وعلى كل من تقديري الصدق والكذب هو مناف للعصمة ، وليس المحل محل التقية إذ حالة المناجاة لا تسعها وهم يقولون : إن مراد الأئمة أن شيعتنا عصوا وظلموا وتوانوا ولكن رضينا بهم شيعة ورضوا بنا ائمة فحالنا حالهم وحالهم حالنا ! سبحان الله ، لو ثبت هذا الاتحاد في الأحوال بين الشيعة والأئمة كيف سرى عصيان الشيعة وظلمهم وتوانيهم في نفوس الأئمة ولم تسر طاعة الأئمة وعدلهم وعباداتهم في ذوات الشيعة ؟ فحينئذ يلزم أن تغلب أحوال الشيعة على أحوال الأئمة وهي صارت مغلوبة ، بل يلزم في ذوات الأئمة على هذا التقدير أجتماع أمور متناقضة كالفسق والصلاح والعصمة والمعصية والظلم والعدل ، ولا يمكن ان تحمل أحوال الشيعة في حق الأئمة بالمجاز فإنه يمتنع في مثل هذه الأدعية التى يكون الحقيقة فيا من الكلام مقصودة كما هو الأظهر معاذ الله من سوء الاعتقاد ! ولم يوجد قط في محاورة العرب والعجم نظير لنحو هذه التأويلات أصلاً. وما يلزم – باعتبار علم الإعراب – من ركاكة الألفاظ ههنا غير خاف كحمل ضمير المتكلم الواحد على جمع الغائب وصيغة المتكلم على الغيبة . وباعتبار فن البلاغة من قباحة المعاني كإضافة المتكلم فعل الغير إلى نفسه من غير علاقة صارفة إلى المجاز من السبية والأمرية والمحلية والحالية وغير ذلك مما ذكر في موضعه ، ومع ذلك ينسبون مثل هذا الكلام الفاسد إلى من بلغ الدرجة العليا من البلاغة . وما الذي يحمل الأئمة على أن ينسبوا ظلم شيعتهم وعصيانهم إلى أنفسهم فيلوثوا أذيالهم الطاهرة بتلك النسبة حتى جعلوا لمنكري عصمتهم سنداً قوياً ن وأضلوا جمعاً كثيراً من الأمة بتلك الكلمات التي لم تكن ضرورية لهم حاشاهم ثم حاشاهم . وأيضاً الأظهر والأجلى أن المسائل الفروعية قد وقعت فيها اختلافات القرون الأولى ولأهل السنة أيضاً اختلافات فيما بينهم ولا يحسبونها في الفروع نقصاناً للمختلفين فيها ولا يطاعنون ولا يعاتب فيها بعضهم بعضاً وكان كل واحد منهم في الزمن الأول يناظر ويحاجج في الفروع ويظهر مذهبه فيها ويقيم الدلائل عليه ويستنبط ويجتهد بلا مخافة ويضعف دلائل مخالفة جهراً فأي شيء كان حاملاً للأئمة على التقية في مسائل الفروع ؟ ولقد ناظر الأمير في زمن الخليفة الثاني والثالث مناظرات كثيرة في بيع أمهات الأولاد وتمتع الحج ومسائل أخر حتى انجر الأمر من الجانبين إلى العنف ولم يتنفس أحد منهم ولا سيما الخليفة الثاني فإنه كان بزعم الشيعة في هذا الباب أكثر انقياداً بحيث إذا ذكر أحد دليلاً من الكتاب أو السنة بين يديه اعترف حتى ألزمته امرأة من نساء العوام في المغالاة بالمهر وهو صار معترفاً وقائلاً (( كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال )) وعد الشيعة هذه القصة في مطاعنه فالأمير لم يكن ليستعمل التقية في المسائل الفروعية ويترك إظهار الحكم المنزل من الله الذي كان واجباً عليه إظهاره في ذلك الحين . وأيضاً إن الأئمة المتأخرين كالسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا رضي الله تعالى عنهم كانوا قدوة أهل السنة وأسوة لهم وعلماؤهم كالزهري وأبي حنيفة ومالك أخذوا العلم منهم وقد روى محدثو أهل السنة عنهم في كل فن لا سيما في التفسير أحاديث كثيرة فأي حاجة لهؤلاء الكرام أن يرتكبوا التقية مخافة هؤلاء الناس !؟ وهذا الكلام وقع في البين ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول :
اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة ولكنهم مختلفون في مقدارهم فقال بعضهم خمسة وبعضهم سبعة وبعضهم ثمانية وبعضهم اثنا عشر وبعضهم ثلاثة عشر وقالت الغلاة الأئمة آلهة أولهم محمد رسول الله  إلى الحسين ثم من صلح من أولاد الحسين إلى جعفر بن محمد وهو الإله الأصغر وخاتم الآلهة ثم من بعده نوابه وهم من صلح من أولاد جعفر وذهبت فرقة منهم إلى أن الإمام في هذه الأمة اثنان : محمد  وعلى ابن أبي طالب وغيرهما ممن كان لائقاً لهذا الأمر من أولاد علي فهم نوابهما وقالت الحلولية : إن الإمام من يحل فيه الإله وجرى بينهم اختلاف فقال الكيسانية : إن الإمام بعد النبي  علي ثم محمد بن الحنفية . وقالت المختارية منهم : إن الإمام بعد علي الحسن ثم الحسين ثم محمد بن الحنفية وكل فرقة من فرق الشيعة ينقلون عن إمامهم المزعوم أخباراً وروايات في أحكام الشريعة ويدعون تواترها : فالفرقة الأولى من الكيسانية تقول : إن محمد بن الحنيفة ادعى الإمامة بعد موت أبيه وقد نص أبوه على إمامته .
والفرقة الثانية أعني المختارية يقولون : إن ادعاء محمد بن علي للإمامة قد وقع بعد شهادة الإمام الحسين ، ويروون الخوارق الكثيرة على وفق دعواه . والإمامية قاطبة يقولون بادعاء محمد بن علي الإمامة بعد شهادة الحسين ولكن رجع في الآخر عن تلك الدعوى وأقر بإمامة ابن أخيه على بن الحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين . وروى الراوندى في ( معجزات السجاد ) عن الحسين بن أبي العلاء (1) وأبي المعزي حميد بن المثنى (2) جميعاً عن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله  قال : جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فقال : يا علي ألست تقرأ أني إمام عليك ؟ فقال : يا عم لو علمت ذلك ما خالفتك وإن طاعتي عليك وعلى الخلق مفروضة يا عم أما علمت أن أبي وصى ؟ وتشاجرا ساعة فقال علي بن الحسين : بمن ترضى حتى يكون حكماً بيننا ؟ فقال محمد : بمن شئت . فقال : ترضى أن يكون بيننا الحجر الأسود !؟
-------------------------
( 1 ) هو أبو علي الحسين بن أبي العلاء ( واسم أبي العلاء خالد ) الخفاف الزندجي الأعور وهو أحد إخوة ثلاثة يشربون من مشرب واحد : الحسين وعلي وعبد الحميد ، والحسين هذا هو أوجههم له ترجمة في تنقيح المقال .
( 2 ) أبو المعزي حميد بن المثنى العجلي الصيرفي له ترجمة في تنقيح المقال .                    ( 3 ) انظر هامش ص 65 .
فقال : سبحان الله ! أدعوك إلى الناس وتدعوني إلى حجر لا يتكلم ؟! فقال علي : بلى يتكلم ، أما علمت أنه يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد على من أتاه بالموافاة فندنو أنا وأنت فندعو الله عز وجل أن ينطقه سبحانه لنا أينا حجة الله على خلقه فانطلقا ووقفا عند مقام إبراهيم ودنيا من الحجر الأسود وقد كان محمد بن الحنفية قال : لئن لم يجبك إلى ما دعوتني إليه إنك إذن لمن الظالمين فقال علي لمحمد : تقدم يا عم إليه فإنك أسن مني . فقال محمد للحجر : أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة كل مؤمن إن كنت تعلم أني حجة الله على علي بن الحسين إلا ما نطقت بالحق فلم يجبه ثم قال محمد لعلي : تقدم فاسأله فتقدم علي فتكلم بكلام خفي ثم قال : أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين علي وبحرمة الحسن والحسين وفاطمة بنت محمد إن كنت تعلم أني حجة الله على عمى إلا ما نطقت بذلك وتثبت له حتى يرجع عن رأيه . فقال الحجر بلسان عربي مبين : يا محمد بن علي اسمع وأطع لعلي بن الحسين لأنه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه فقال ابن الحنفية عند ذلك : سمعت وأطعت وسلمت (1) .
والكيسانية يصدقون هذه الدعوى ولكنهم ينكرون شهادة الحجر بل يقولون بوقوع الشهادة على العكس فإن الحجر شهد بدعاء محمد بن الحنفية وأعترف علي بن الحسين بإمامته ويؤيدون ذلك بسكوت علي بن الحسين عن الإمامة بعد هذه الواقعة وشروع محمد ابن الحنفية بإرسال رسائله وكتبه إلى المختار وشيعة الكوفة الذين كانوا مشتغلين بقتال المروانية وكانوا يرسلون الهدايا والتحف والخمس إلى محمد بن علي لا إلى علي بن الحسين وما دعاهم علي بن الحسين إلى نفسه ( 2 ) وذكر القاضي نور الله التسترى في ( مجالس المؤمنين ) أن محمد بن الحنفية لما
----------------------
( 1 ) هذه الخرافة من مخترعات الخفاف الزندجي الأعور وزميله أبي المعزي وقد أرادا باختراعها أن يكذبا على التاريخ وعلى آل بيت الرسول صلى الله عليهم بأن هناك وصية بإمامة قبل زمن شيطان الطاق ، والحقيقة هي أن آل بيت رسول الله  لم يدعوا ذلك ولم يعرفوه ، ولكن شيطان الطاق أخترعه لهم . فقد نقل المامقاني في تنقيح المقال ( ج 1 ص 470 ) أن إمامهم الكشي نقل في ترجمة شيطان الطاق محمد بن علي أن هذا الشيطان قال : (( كنت عند أبي عبد الله ( يعني جعفراً الصادق ) فدخل زيد بن علي ( الإمام الذى يرجع إليه مذهب الزيدية في اليمن وهو عم جعفر الصادق ) فقال الإمام زيد لشيطان الطاق : يا محمد بن علي إماماً مفترض الطاعة معروفاً بعينه ؟ قال شيطان الطاق قلت : نعم ، أبوك أحدهم . قال له زيد : ويحك ، وما منعه أن يقول لي ؟ فوالله لقد كان يؤتي بالطعام الحار فيقعدني على فخده ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها ، أفتراه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق على من حر النار ؟ ! قال شيطان الطاق : قلت كره أن يقول لك فتكفر فيجب عليك من الله الوعيد ، ولا يكون له فيك شفاعة ، فتركك مرجئاً لله فيه المسالة ، وله فيك الشفاعة )) وهكذا أخترع شيطان الطاق أكذوبة الإمامة التى صارت من أصول الديانة عند الشيعة ، وأتهم الإمام علياً زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن أبنه الذى هو صفوة آل محمد ، كما أتهم ابنه الإمام زيداً بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته للإيمان بإمامة أبيه . ولو أن غير الكشي من صناديد الشيعة روى هذا الخبر لشككنا في صحته ، ولكن الشيعة هم الذين يروونه ، ويعلنون فيه أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد الإمام زيد ما لا يعرفه الإمام زيد من والده مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم . وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذى روى عنه الحافظ أنه قال في كتابه عن افمامة إن الله لم يقل  ثاني اثنين إذ هما في الغار  أنظر ( الفصل ) لابن حزم 4 : 181 .
( 2 ) وبهذا الخبر الثاني تعارض ما تقوله الكيسانية مع الذى تقوله الأثنا عشرية فسقطا جميعاً . والخبران مخترعان من رواة كذبة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً .
مات أعتقد شيعته بإمامة أبنه أبي هاشم ، وكان عظيم القدر ، والشيعة متبعين له وأوصى محمد بن الحنفية بإمامته ، فقد علم صريحاً أن محمد بن الحنفية لم يرجع عن أعتقاده حتى فوض الإمامة إلى أولاده ( 1 ) وأيضاً نقل القاضي كتاب محمد بن الحنفية الذى كان أرسله إلى المختار وشيعته الكوفة بهذه العبارة : أيها المختار أذهب أنت من مكة إلى الكوفة وقل لشيعتنا أخرجوا وأطلبوا ثأر الإمام الحسين ، وخذ البيعة من أهل الكوفة . قالوا إن أكثر أهل الكوفة قد تولوا عن سليمان بعد إظهار المختار كتاب محمد ابن الحنفية ، فقال سليمان لشيعته : إن خرجتم من قبل محمد بن الحنفية فلا بأس به ، ولكن إمامي علي بن الحسين . أنتهى كلامه . ويدل بالصراحة ما نقله القاضي من الكتاب وقوله (( تولوا عن سليمان )) على أن محمد بن الحنفية لم يكن رجع عن أعتقاده . وايضاً نقل القاضي عن أبي المؤيد الخوارزمي الزيدي أن المختار أرسل إلى محمد بن الحنفية رءوس أمراء الشام مع كتاب الفتح وثلاثين ألف دينار إلى الإمام علي بن الحسين ، وقد صلى هو ركعتين شكراً على هذه الموهبة ، وأمر أن يعلقوا رءوس أهل الشام ، وقد منعه ابن الزبير من التعليق وأمر بدفنها فدفنوها . أنتهى كلامه . فقد تبين أن المختار كان معتقداً بإمامة محمد بن علي ، ولا يحمل اعتقاده على التقية إذ لا ضرورة له عليها . وينبغي أن يستمع الآن كلام القاضي نور الله الآخر ، ويفهم منه المدعي ، فإنه نقل في أحوال المختار عن العلامة الحلي ( 2 ) انه قال لا كلام للشيعة في حسن عقيدته ، غاية الأمر أنهم كانوا يعترضون على بعض أعماله ويذكرونه بالسوء فاطلع الإمام الباقر على ذلك فمنع الشيعة من التعرض للمختار وقال : (( إنه قتل قتلتنا ، وأرسل نقوداً كثيرة )) فلابد للعاقل أن يتأمل ههنا إذ يعلم من هذا الكلام أن إنكار إمامة إمام الوقت لا يكون سبباً للسب والشتم في حق ذلك المنكر ( 3 ) .
 -------------------------
( 1 ) محمد بن الحنفية كان أعقل وأتقى لله من أن يدخل نفسه في هذه الفتن التى صرح هو بانها تخالف الشرع عند ما دعاه ابن مطيع في المدينة إلى أقل من ذلك ( أنظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ) ج 8 ص 233 .
( 2 ) من كبار شيوخ الشيعة وعلمائهم .
( 3 ) والواقع أن إمامة الوقت لم تكن أخترعت بعد ، والإمام الباقر وأبوه على زين العابدين عاشا وماتا وهما لا يعرفان أنفسهما أنهما إماماً الوقت ، وكل ما يعرفانه أنهما من بيت النبوة وأن الإمامة تستمد من بيعة المسلمين لمن بايعونه ، بل إن جدهما امير المؤمنين علياً نفسه لما بويع يوم الخميس 24 ذي الحجة سنة 35 ( كما ورد في تاريخ الطبري ج 6 ص 157 ) أرتقى في يوم الجمعة 25 منه أعواد منبر رسول الله  وقال : (( أيها الناس عن ملأ وأذن . إن هذا أمركم ، ليس لأحد حق إلا أن أمرتم . ودق أفترقنا في الأمس على أمر ( أي على البيعة له ) فإن شئتم قعدت لكم ، وإلا فلا أجد على احد . فهو يعلن على رءوس الأشهاد في مسجد رسول الله  وعلى منبره وبعد البيعة له أنه لا يستمد الخلافة من حق يدعيه ولا من شئ سبق ، بل يستمدها من البيعة إذا أرتضها الأمة ، وإلا فإنه – كاخوانه الثلاثة الذين سبقوه – أرفع من أن يجعلها أكبر همه وغرض نفسه . هذا هو الذي وقع ، وهذه الحقائق صدرت من فم علي بن أبي طالب نفسه ، ومن سنة 35 إلى اليوم الذى تحاور فيه الإمام زيد بن علي بن الحسين مع شيطان الطاق لم يخطر على بال أحد من آل البيت 0 لا على ، ولا الحسن ، ولا الحسين ، ولا علي بن الحسين ، ولا محمد بن الباقر ، ولا غيرهم – أن هناك إمامة لآل البيت كما أخترعها شيطان الطاق فأساء بذلك إلى الإسلام وإلى آل البيت ، وإلى أمة محمد جميعاً ، فالله حسبه .
بل يلاحظ محبته لأهل بيت الرسول ، وجهاده أعداء الله ، وإذلال الكفرة والآنتقام منهم ( 1 ) وإعلاء كلمة الله تنجيه وتوجب فلاحه ، وما يصدر منه من ( الشنائع ) يجب علينا أن نستره ونستغفر الله له . وهذا هو مذهب أهل السنة في حق من ينكر إمامة إمام وقته ولكنه متصف بهذه الصفات المذكورة .
وقالت ( الزيدية ) : إن الإمام بعد الإمام الحسين زيد بن علي ، ولا يقولون بإمامة علي بن الحسين لأن الخروج بالسيف شرط للإمامة عندهم ، والسكوت منافيان لها ويررون أن زيد بن علي على نقل عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين نصوصاً وبشارات في حق إمامته ، وكان زيد بن علي منكراً لجميع معتقدات الإمامية كما روى الزيدية والإمامية معاً إنكاره .
                و ( الباقرية ( 2 ) ) يعتقدون أن الإمام الباقر مهدي موعود ، وحي لا يموت .
                وكذلك ( الناووسية ( 3 ) ) في حق الإمام الصادق ، ويروون نصاً صريحاً بزعمهم عن الصادق وهو قوله (( لو رأيتم راسي تدهده – أي تدحرج – عليكم من هذا الجبل فلا تصدقوا ، فإن صاحبكم صاحب السنين )) .
                وروى ( المهدوية ( 4 ) ) من الإسماعيلية في حق إسماعيل بن جعفر نصه بالتواتر أن هذا الأمر في الأكبر ، ما لم تكن به عاهة . ويكذبون الإمام الكاظم في دعوى الإمامة ويذكرونه بالسوء فإنه أنكر النص المتواتر بزعمهم كأبي بكر في حق علي .
وقالت ( القرامطة ) صار محمد إماماً بعد أبيه إسماعيل ( 5 ) .
                و ( الأفطحية ( 6 ) ) يعتقدون أن عبدالله بن جعفر إمام بلا فصل بعد أبيه لكونه شقيقاً لإسماعيل ، ولما مات إسماعيل بحضور أبيه وكان النص في حقه بعد موت أبيه أصاب ذلك الشقيق مضمون ذلك النص ميراثاً لا غيره من بني العلات ، وكانت أم إسماعيل وعبد الله فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فهذان الأخوان كانا سيدين حسينين من الطرفين . وقالت ( الموسوية ( 7 ) ) إن الإمام بعد الصادق موسى الكاظم .
                وقالت ( الممطورية ( 8 ) ) هو حي لا يموت وهو القائم المنتظر ، ويروون عن الأمير نصاً متواتراً في هذا المدعى أنه قال (( سابعهم قائمهم ! )) .
 ------------------------
( 1 ) المؤلف يستعمل أسلوب الشيعة ويتكلم بلغتهم لإلزامهم وإقامة الحجة عليهم .
( 2 ، 3 ) تقدم ذكر الباقرية والناووسية في ص 16 .
( 4 ) أنظر للمهدوية ص 18 – 19 .
( 5 ) والمهدوية كذلك يقولون بإمامة محمد بن إسماعيل . انظر للقرامطة ص 17 .
( 6 ، 7 ، 8 ) انظر للأفطحية والموسوية والممطورية ص 20 .
يتبع في الوقفة الخامسة بإذن الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق