Translate

الاثنين، 2 يناير 2012

الإمامــة » حصر الأئمة بعدد معين » سرية الإمامة » الخلاف في عدد الأئمة » الخلاف في أسمائهم »
منقول من غير تعديل المصدر موقع فيصل نور جزى الله القائمين عليه خير الجزاء الوقفــة الثالثة

مثالب الصحابة (المزعومة):
ومع اللعن والتكفير لخير القرون، فإن الشيعة ملأت الصفحات فيما يسمونه بمثالب الصحابة ومعايبهم [انظر: ابن المطهر الحلي/ منهاج الكرامة: ص132.]، وانشغل بعض أهل السنة في الرد عليهم [وقد أجاب شيخ الإسلام عما يثيره الروافض في هذا الباب بجواب مفصل (انظر: منهاج السنة 3/19 وما بعدها) وبجواب مجمل ملخصه ما يلي: أن المثالب التي تنقل عن الصحابة نوعان:
أحدهما: ما هو كذب، إما كذب كله، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطع، وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن السائب الكلبي، وأمثالهما من الكذابين الذين شهد الأئمة بكذبهم، وسقوط أخبارهم.
النوع الثاني: ما هو صدق، وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها من أن تكون ذنوبًا، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب.
وما قدّر من هذه الأمور ذنبًا محققًا، فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة، لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة، منها: التوبة، ومنها الحسنات الماحية للذنوب؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، ومنها المصائب المكفرة.. (منهاج السنة: 3/19).]، والحقيقة المهمة في هذا الموضوع أن إثارة الشيعة لهذه القضايا هو في حقيقة أمره تستر على السبب الحقيقي من موقفهم من الصحابة، ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم لو كانوا في عصمة من كل خطأ، وفي حرز من كل ذنب، لما رضي عنهم الإمامية، لأن ذنب الصحابة عند هؤلاء هو بيعتهم لأبي بكر دون علي، وكل ذنب يغتفر إلا هذا الأمر، كما أن من جاء بقراب الأرض خطايا ومعه "جواز الولاية" فقد نجا.
وقد تنبه إلى هذه الحقيقة المهمة القاضية عبد الجبار فقال: "وكثيرًا تسأل الإمامية عما كان من عثمان في تولية أقاربه وغير ذلك، وفي سير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، وما ذاك إلا لضعفهم وانقطاعهم؛ لأن عثمان لو لم يول أقاربه ولم يصنع ما صنع لكان كافرًا مشركًا عندهم بادعائه الإمامة لنفسه ولأبي بكر وعمر، ولو كان طلحة والزبير وعائشة في عسكر أمير المؤمنين وفي المحاربين معه ما كانوا إلا مشركين باعتقادهم إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، فمن يكلم الإمامية في إثارتهم لهذه المسائل كمن يكلم اليهود في وجوب النية في الطهارة، أو يكلم النصارى في استحلالهم الخمر، وإنما يكلم في هذا من قال: لا ذنب لعثمان إلا ما أتاه من الحمى، وتولية الأقارب، ولولا ذلك لكان مثل عمر، ومن قال: لا ذنب لطلحة والزبير وعائشة إلا مسيرهم إلى البصرة، ولولا ذلك لكانوا مثل أبي عبيدة وعبد الرحمن وابن مسعود.
فاعرف هذا ولا تكلمهم فيه البتة، وكلمهم فيما يدعونه من النص فهو الأصل" [تثبيت دلائل النبوة: 1/294.].
2 ـ  تكفيرهم أهل البيت:
هذه الرّوايات التي تحكم بالرّدة على ذلك المجتمع المثالي الفريد، ولا تستثني منهم جميعًا إلا سبعة في أكثر تقديراتها، لا تذكر من ضمن هؤلاء السّبعة أحدًا من أهل بيت رسول الله باستثناء بعض روايات عندهم جاء فيها استثناء علي فقط، وهي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر قال: صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر. فقلت: فعمار؟ فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة [تفسير العياشي: 1/199، البرهان: 1/319، تفسير الصافي: 1/389.].
فالحكم بالرّدّة في هذه النّصوص شامل للصّحابة وأهل البيت النّبويّ من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، مع أن واضعها يزعم التشيع لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا إلا دليل واضح على أن التشيع إنما هو ستار لتنفيد أغراض خبيثة ضد الإسلام وأهله، وأن واضعي هذه الروايات أعداء للصحابة وللقرابة؟
ولا يستعبد كما سبق أن تلك الأسماء التي تستثنى هي «أسماء مستعارة» للزنادقة الذين يشكلون الخلية الأولى "للرفض"، ولا يعني بهم الصحابة، وإلا لماذا لم يذكر أحد معهم من أهل البيت؟ ولماذا هؤلاء الصحابة الذين يستثنون ما ظهر منهم منابذة ومناوأة للخليفتين الراشدين بل ظهر منهم الحب والمؤازرة؟!
لقد حكموا بالردة في نصوصهم التي مر ذكرها، على الحسن والحسين وآل عقيل وآل جعفر، وآل العباس، وزوجات رسول الله أمهات المؤمنين.
بل إن الشيعة خصت بالطعن والتكفير جملة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كعم النبي العباس، حتى قالوا بأنه نزل فيه قوله سبحانه: {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [رجال الكشي: ص53، والآية (72) من سورة الإسراء.].
وكابنه عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فقد جاء في الكافي ما يتضمن تكفيره، وأنه جاهل سخيف العقل [أصول الكافي: 1/247.]. وفي رجال الكشي: "اللهم العن ابني فلان واعم أبصارهما، كما عميت قلوبهما.. واجعل عمى أبصارهم دليلاً على عمى قلوبهما" [رجال الكشي: ص53.].
وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال: "هما عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس" [رجال الكشي: ص53 (الهامش).].
وبنات النبي صلى الله عليه وسلم يشملهن سخط الشيعة وحنقهم، فلا يذكرن فيمن استثنى من التكفير، بل ونفى بعضهم أن يكن بنات للنبي صلى الله عليه وسلم - ما عدا فاطمة [انظر: جعفر النجفي/ كشف الغطاء: ص5، حسن الأمين/ دائرة المعارف الإسلامية، الشيعة: 1/27.] فهل يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقول فيه وفي بناته هذا القول؟!
وقد نص صاحب الكافي في رواياته على أن كل من لم يؤمن بالاثني عشر فهو كافر، وإن كان علويًا فاطميًا [انظر: الكافي، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل: 1/372-374.]، وهذا يشمل في الحقيقة التكفير لجيل الصحابة ومن بعدهم بما فيهم الآل والأصحاب؛ لأنهم لم يعرفوا فكرة "الاثني عشر" التي لم توجد إلا بعد سنة (260ه‍).
كما باءوا بتفكير أمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذ لم يستثنوا واحدة منهن في نصوصهم.. ولكنهم يخصون منهن عائشة [انظر: أصول الكافي: 1/300، رجال الكشي: ص57-60، بحار الأنوار: 53/90.] وحفصة [انظر: بحار الأنوار: 22/246.]- رضي الله عنهن جميعًا بالذم واللعن والتكفير.
وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا بعنوان "باب أحوال عائشة وحفصة" ذكر فيه (17) رواية [بحار الأنوار: 22/227-247.]، وأحال في بقية الروايات إلى أبواب أخرى [حيث قال: "قد مر بعض أحوال عائشة في باب تزويج خديجة، وفي باب أحوال أولاده صلى الله عليه وسلم في قصص مارية وأنها قذفتها فنزلت فيها آيات الإفك (انظر كيف يقلبون الحقائق) وسيأتي أكثر أحوالها في قصة الجمل" (بحار الأنوار: 22/245).]، وقد آذوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته أبلغ الإيذاء.
حتى اتهموا في أخبارهم من برأها الله من سبع سماوات؛ عائشة الصديقة بنت الصديق بالفاحشة، فقد جاء في أصل أصول التفاسير عندهم (تفسير القمي) هذا القذف الشنيع [ونص ذلك: "قال علي بن إبراهيم في قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا} [التّحريم، آية:11] ثم ضرب الله فيهما (يعني عائشة وحفصة زوجتي رسول الله مثلاً فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التّحريم، آية10] قال: والله ما عنى بقوله {فَخَانَتَاهُمَا} إلا الفاحشة، وليقيمنّ الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق البصرة، وكان فلان يحبّها، فلمّا أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان: لا يحلّ لك أن تخرجين كذا من غير محرم فزوّجت نفسها من فلان..
هذا نصّ القمّي كما نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار: 22/240، أمّا تفسير القمّي فقد جاء فيه النّصّ، إلا أنّ المصحّح حذف اسم البصرة الذي ورد مرّتين ووضع مكانه نقط (انظر: تفسير القمّي 2/377).
والنص فيه عدم التصريح بالأسماء، فقوله: "ليقيمن الحد" من الذي يقيم؟ وقوله: "فلان، وفلانة" من هما؟ لكن شيخ الشيعة المجلسي كشف هذه التّقية وحلّ رموزها وذلك لأنه يعيش في ظل الدولة الصفوية فقال: قوله: وليقيمنّ الحدّ أي القائم عليه السّلام في الرّجعة كما سيأتي (وقد نقلت ذلك عن المجلسي في فصل الغيبة، وصرّح بالاسم وأنّها عائشة أمّ المؤمنين، إلا أنه قال بأنه بسبب ما قالته في مارية، فلم يجرؤ أن يصرح مع ذكر الاسم بما صرح به هنا من القذف الصريح) والمراد بفلان طلحة (بحار الأنوار: 22/241).
هذا النص كما ترى قد جاء في تفسير القمي الذي يوثقه شيوخهم المعاصرون، ولم يتعقبه المصحح والمعلق على تفسير القمي بشيء، فهو عار يلف السابقين والمعاصرين من شيوخهم، إلا أن المعلق على البحار عقب على النص المذكور بالدفاع عن شيخهم القمي لا الدفاع عن عائشة أم المؤمنين، وأم المؤمنين لا تحتاج إلى شهادة أحد بعد شهادة الله لها.. ولكن نذكر ذلك لبيان عظيم جرمهم.] المتضمن تكذيب القرآن العظيم، قال ابن كثير في تفسير سورة النور: "أجمع أهل العلم رحمهم الله قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن" [تفسير ابن كثير: 3/289-290، وانظر: الصارم المسلول لابن تيمية ص571.].
وقال القرطبي: "فكل من سبها مما برأها الله منه مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر" [تفسير القرطبي: 12/206.].
هذا وظاهرة التكفير عند الشيعة لا تخص جيل الصحابة، وإن كان الصحابة ينالهم النصيب الأوفى من السب والتكفير باعتبار أنهم حملة الشريعة، ونقلة الكتاب والسنة، والمبلغون عن رسول الله دين الله، ولذلك صار "الطعن فيهم طعن في الدين" [ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/5.]. وكان هذا هو هدف الزنادقة من وراء الحملة الضارية عليهم، ولكن سلسلة التكفير عند الشيعة مستمرة.
فكما قالت كتب الشيعة: إن الناس ارتدوا بعد وفاة الرسول إلا ثلاثة، قالت أيضًا: "ارتد الناس بعد قتل الحسين إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى أم الطويل، وجبير بن مطعم" [رجال الكشي: ص123، أصول الكافي: 2/380.].
فأنت ترى أن هذا النص لا يستثني أحدًا من أهل البيت ولا الحسن بن علي الذي تعده الاثنا عشرية إمامها، ويبدو أنها لا تستثنيه لأنها عليه ساخطة لقيامه بمصالحة معاوية حتى خاطبه بعض الشيعة بقوله: "يا مذل المؤمنين" [انظر: رجال الكشي: ص111.]، ووثب عليه أهل عسكره فانتهبوا فسطاطه، وأخذوا متاعه، وطعنه ابن بشير الأسدي في خاصرته فردوه جريحًا إلى المدائن [انظر: المصدر السابق: ص113.].
3 ـ  تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:
في دين الاثني عشرية أن كل حكومة غير حكومة الاثني عشر باطلة، وصاحبها ظالم وطاغوت يعبد من دون الله، ومن يبايعه فإنما يعبد غير الله.
وقد أثبت الكليني هذا المعنى في عدة أبواب مثل: باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل، وذكر فيه اثني عشر حديثًا عن أئمتهم [الكافي: 1/372-374.]، وباب فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله، وفيه خمسة أحاديث [الكافي: 1/374-376.].
وفي البحار "باب عقاب من ادعى الإمامة بغير حق أو رفع راية جور، أو أطاع إمامًا جائرًا" [بحار الأنوار: 25/110 وما بعدها.].
وكل خلفاء المسلمين ما عدا عليًا والحسن طواغيت حسب اعتقادهم وإن كانوا يدعون إلى الحق، ويحسنون لأهل البيت، ويقيمون دين الله، ذلك أنهم يقولون: "كل راية ترفع قبل راية القائم [هو: مهديهم المنتظر.] رضي الله عنه صاحبها طاغوت" [الكافي: بشرحه للمازندراني: 12/371، بحار الأنوار: 25/113.]. قال شارح الكافي: "وإن كان رافعها يدعو إلى الحق" [المازندراني/ شرح جامع: 12/371.]، وحكم المجلسي على هذه الرواية بالصحة [مرآة العقول: 4/378.] حسب مقاييسهم.
أما من قبل سنة (260ه‍) فيقول شيخهم المجلسي عن الخلفاء الراشدين: "إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين، لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين" [بحار الأنوار: 4/385.].
4 ـ  الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:
جاء في أخبارهم تخصيص كثير من بلاد المسلمين بالسب، وتفكير أهلها على وجه التعيين، ويخصون منها غالبًا ما كان أكثر التزامًا بالإسلام واتباعًا للسنة، فقد صرحوا بكفر أهالي مكة والمدينة في القرون المفضلة، ففي عصر جعفر الصادق كانوا يقولون عن أهل مكة والمدينة: "أهل الشّام شرّ من أهل الرّوم (يعني شرّ من النّصارى)، وأهل المدينة شرّ من أهل مكّة، وأهل مكّة يكفرون بالله جهرة" [أصول الكافي: 2/409.].
"وعن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة، وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفًا" [أصول الكافي: 2/410.].
ومن المعلوم أن أهل المدينة كانوا ولا سيما في القرون المفضلة يتأسون بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر الأمصار، ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب اتباعها غير المدينة [اشتهر عن مالك وأصحابه، أن إجماع أهلها حجة، وإن كان بقية الأئمة ينازعونهم في ذلك، والمراد إجماعهم في تلك الأعصار، المفضلة، أما بعد ذلك فقد اتفق الناس على أن إجماعهم ليس بحجة (مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 20/300).].
وقد ظل أهل المدينة متمسكين بمذهبهم القديم، منتسبين إلى مذهب مالك إلى أوائل المائة السادسة أو قبل ذلك أو بعد ذلك، فإنهم قدم إليهم من رافضة المشرق من أفسد مذهب كثير منهم [انظر: الفتاوى: 20/299-300.].
وهذا الالتزام بالإسلام قد أغاظ هؤلاء الزنادقة، فعبروا عن حقدهم بهذه الكلمات، والتاريخ يعيد نفسه، ففي هذا العصر خطب خطيبهم وقال: بأن مكة يحكمها شرذمة أشرَّ من اليهود [وسيأتي ذكر ذلك بنصه في فصل «دولة الآيات» من الباب الرابع ص1174.].
وقد كشف شيخهم المعاصر والذي علق على نصوص الكافي عن وجه هذه الكلمات، وأبان عن فحوى هذه النصوص فقال: "لعل هذا الكلام في زمن بني أمية وأتباعهم، كانوا منافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، والمنافقون شر من الكفار وهم في الدرك الأسفل من النار.. ويحتمل أن يكون هذا مبنيًا على أن المخالفين غير المستضعفين مطلقًا شر من سائر الكفار كما يظهر من كثير من الأخبار" [علي أكبر الغفاري/ أصول الكافي: 2/409-410 (الهامش).].
فهو يرى أن هذا التكفير حق، ويخرج الحكم عليهم بأنهم شر من الكفار بأحد أمرين: إما باتباعهم للأمويين أي: بمقتضى مبايعتهم لخلفاء المسلمين من الأمويين، وهذا نفاق أكبر عندهم، أو لأن المخالف شر من الكافر.. وبهذا التخريج الأخير يشمل التفكير ديار المسلمين في كل الأزمان.
وقالوا أيضًا عن مصر وأهلها: "أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السّلام، فجعل الله منهم القردة والخنازير" [بحار الأنوار: 60/208، تفسير القمّي: ص596 ط: إيران.] "وما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر، ولا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها" [بحار الأنوار: 60/ 208-209، قرب الإسناد: ص 220، تفسير العياشي: 1/304، البرهان: 1/456.].
"بئس البلاد مصر! أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل" [تفسير العياشي: 1/305، بحار الأنوار:60/210، البرهان: 1/457.].
"انتحوا مصر لا تطلبوا المكث فيها ( لأنه ) يورث الدياثة" [بحار الأنوار: 60/211.].
وجاءت عندهم عدة روايات في ذم مصر، وهجاء أهلها، والتحذير من سكناها، ونسبوا هذه الروايات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى محمد الباقر، وإلى علي الرضا، وهذا رأي الروافض في مصر في تلك العصور الإسلامية الزاهرة، وقد عقب المجلسي على هذه النصوص بقوله بأن مصر صارت من شر البلاد في تلك الأزمنة، لأن أهلها صاروا من أشقى الناس وأكفرهم [انظر: بحار الأنوار: 5/208.].
كل ذلك لأنها لم تأخذ بنهج الروافض، ويحتمل أن هذه الروايات قبل أو بعد الحقبة الإسماعيلية من تاريخ مصر، لأن من يشاركهم في رفضهم.. ويقيم دولة تسمح بكفرهم لا ينالون منه بمثل هذا.
ولا يبعد أن هذه النصوص هي تعبير عن حقد الرافضة وغيظهم على مصر وأهلها بسبب سقوط دولة إخوانهم الإسماعيليين على يد القائد العظيم صلاح الدين الذي طهر أرض الكنانة من دنسهم ورجسهم.
وأين هذه الكلمات المظلمة في حق مصر وأهلها من الباب الذي عقده مسلم في صحيحه "باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر" [صحيح مسلم: 2/2970.].
وجاء عندهم ذم كثير من بلدان الإسلام وأهلها [انظر: الخصال: ص506-507، بحار الأنوار: 60/206 وما بعدها.]. ولم يستثن من ديار المسلمين إلا من يقول بمذهبهم وهي قليلة في تلك الأزمان، حتى جاء عندهم "إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة" [بحار الأنوار: 60/209، وعزاه إلى بصائر الدرجات.].
5 ـ  قضاة المسلمين:
تعد أخبارهم قضاة المسلمين طواغيت لارتباطهم بالإمامة الباطلة بزعمهم، فقد جاء في الكافي عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا، وإن كان حقًا ثابتًا له؛ لأنه أخذ بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به. قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء، آية: 60.] [أصول الكافي: 1/67.].
فأنت ترى أنهم اعتبروا قضاة المسلمين وحكامهم طواغيت، واعتبروا أحكامهم باطلة، ومن يأخذ حقه بواسطتها فإنما يأكل الحرام، وهذا الحكم يعم قضاة المسلمين على مدى القرون وتعاقب الأجيال، وهذه الرواية تحكم على القضاء والقضاة في عصر جعفر الصادق، كما يظهر من إسنادهم للرواية إلى جعفر، فإذا كان هذا نظرهم في قضاة المسلمين في القرون المفضلة فما بالك فيمن بعدهم.
ويبدو أنهم يريدون قضاة يحكمون بحكايات الرقاع، وبالجفر والجامعة، ومصحف فاطمة، وحكم آل داود، ولا يسألون البينة، كما جاء ذلك في أخبارهم [انظر: "فصل السنة، ومبحث الإيمان بالكتب، وفصل الغيبة".] لا في حكم الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فهم الذين تتناولهم الآية التي استدلوا بها، لأنها نزلت في بعض المنافقين الذين فضلوا حكم الطاغوت على حكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم [انظر: تفسير الطبري: 8/507 وما بعدها (من الأجزاء المحققة)، تفسير البغوي: 1/446.]. وهؤلاء الروافض من جنس أولئك المنافقين.
وهذه النظرة لم يتغير منها شيء في نفوس شيوخهم في هذا العصر؛ فها هو الخميني يعقب على حديثهم هذا فيقول مؤكدًا معناه -: "الإمام عليه السلام نفسه ينهى عن الرجوع إلى السلاطين وقضاتهم ويعتبر الرجوع إليهم رجوعًا إلى الطاغوت" [الحكومة الإسلامية: ص74.].
ويقول المعلق على الكافي: والآية بتأييد الخبر تدل على عدم الترافع إلى حكم الجور مطلقًا، وربما قيل بجواز التوسل بهم إلى أخذ الحق المعلوم، اضطرارًا مع عدم إمكان الترافع إلى الفقيه العدل [أصول الكافي: 1/67 (الهامش).].
ولكن يظهر أن هذه المبادئ التي وضعها الزنادقة لم تجد القبول لدى بعض أتباعهم، لأنه يجد في ظل قضاة المسلمين العدل والإنصاف ما لا يجد عند قومه، وقد اعترف بعضهم لشيخ الإسلام ابن تيمية فقال له: أنتم (يعني أهل السنة) تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضًا [منهاج السنة: 3/39. وقد حدثني بعض قضاة السنة وقد تولى القضاء في بعض المناطق التي يقطنها شيعة بأنه يجد رغبة في التحاكم إلى أهل السنة لاستخلاص حقوقهم ولا يرجعون لشيوخهم. ويبدو أنهم لا يلجأون إلى شيوخهم إلا مكرهين تحت سياط الوعيد والتهديد بإصدار صكوك الحرمان، والوعيد بالنيران.].
وقد اشتكى بعض رجالهم لإمامه بأنهم يجدون عند أهل السنة كثرة الأمانة، وحسن الخلق، وحسن السمت، ويجدون على الضد من ذلك في الشيعة فيغتمون لذلك [أصول الكافي: 2/4.].
6 ـ  أئمة المسلمين وعلماؤهم:
حذروا من التلقي عن شيوخ المسلمين وعلمائهم، وعدوهم كملل أهل الشرك "عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: إنّا نأتي هؤلاء المخالفين [هذا اللّقب يطلق عندهم في الغالب على أهل السّنّة، وقد يتناول كلّ مخالف.] فنسمع منهم الحديث يكون حجّة لنا عليهم؟ قال: لا تأتهم ولا تسمع منهم، لعنهم الله ولعن مللهم المشركة" [بحار الأنوار: 2/216، وعزاه للسّرائر لابن إدريس.].
وجاء في الكافي عن سدير عن أبي جعفر قال: ".. يا سدير فأريك الصّادّين عن دين الله، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثّوري في ذلك الزّمان وهم حلق في المسجد، فقال: هؤلاء الصّادّون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال النّاس، فلم يجدوا أحدًا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم" [أصول الكافي: 1/392-393، تفسير نور الثّقلين: 4/132.].
فيبدوا أن الغيظ أخذ من هؤلاء الباطنيين مأخذه، وهم يرون أئمة أهل السنة يعلمون الناس القرآن والسنة، ويدعون إلى دين الإسلام والناس مقبلون عليهم، ينهلون من علمهم ويأخذون عنهم، فترى حلقهم في المسجد، عامرة بالرواد، مزدانة بالعلم.. تغمرها السكينة، وتحفها الرحمة، وتغشاها الملائكة، وكان هؤلاء العلماء الأعلام للمتقين أئمة وقادة، وأولئك الباطنيون قد قبعوا في بيوتهم، لا يلتفت إليهم، ولا يحفل بهم، قد استولت عليهم الذلة، والمسكنة وباءوا بغضب الناس، واحتقارهم. فكانت أمنياتهم التي وضعوها على ألسنة أهل البيت للتغرير بالأتباع، ومحاولة إيجاد الفتنة والعزلة بين أهل البيت وأئمة المسلمين، كانت هذه الأمنيات تكفر أئمة المسلمين وتتمنى أن تخلو الأرض منهم لتتهيأ لهم الفرصة لتحقيق أغراضهم.
7 ـ  الفرق الإسلامية:
ويخصون كثيرًا من الفرق الإسلامية بالتكفير والطعن، ولا سيما أهل السنة والذين يلقبونهم حينًا بالنواصب، وأحيانًا بالمرجئة. جاء في الكافي: "عن أبي مسروق قال: سألني أبو عبد الله عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت: مرجئة وقدرية [صارت الشيعة قدرية فيما بعد كما سلف فاللعن يشملهم.]، وحرورية. فقال: لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء" [أصول الكافي: 2/387، 409.].
ويعنون بالمرجئة أهل السنة، ولهذا تجد شيخهم المجلسي يشرح حديثهم الذي يقول: "اللهم العن المرجئة فهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة" [فروع الكافي (مع شرحه مرآة العقول: 4/371).].
ويرجح أن المراد بالإرجاء في هذا النص تأخير عليّ عن الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة [مرآة العقول: 4/371.].
ويكفي أن تعرف أن الزيدية وهي من الشيعة نالهم من الذم والتكفير مالا يخطر بالبال. قالوا مثلاً عن الزيدية عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية قال: لا تصدّق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصاب [رجال الكشي: ص199، بحار الأنوار: 72/179.].
وفي الكافي "عن عبد الله بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن رضي الله عنه: إنّ لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بدّ من معاشرتهما فمن أعاشر؟ فقال: هما سيان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره هو المكذّب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، ثم قال: إنّ هذا نصب لك، وهذا الزّيدي نصب لنا" [الكافي/ كتاب الرّوضة: 12/304 (مع شرحه للمازندراني)، مفتاح الكتب الأربعة: 8/76].
ولم يشفع للزيدية عندهم أنهم "دعوا إلى ولاية علي" [بحار الأنوار: 72/181.] وكانوا شيعة: لأنهم "خلطوها بولاية أبي بكر وعمر" [بحار الأنوار: 72/181.] وهذا عندهم ذنب لا يغفر، بل إن مجرد محبة أبي بكر عندهم هي من الكفر. جاء في البحار "عن أبي علي الخراساني عن مولى لعليّ بن الحسين عليه السّلام قال: كنت معه عليه السّلام في بعض خلواته فقلت: إنّ لي عليك حقًّا ألا تخبرني عن هذين الرّجلين: عن أبي بكر وعمر؟ فقال: كافران كافر من أحبّهما" [بحار الأنوار: 72/ 137-138.].
وعدوا مجرد الاعتقاد بإمامة أبي بكر وعمر من النصب الذي هو أعظم الكفر عندهم.
ولهذا قال الملجسي: "قد يطلق الناصب على مطلق المخالف غير المستضعف كما هو ظاهر من كثير من الأخبار" [مرآة العقول: 4/72.].
وقال أيضًا: "لا تجوز الصلاة على المخالف لجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار إمامة إلا للتقية، فإن فعل (يعني صلى عليه تقية) لعنه بعد الرابعة" [مرآة العقول: 4/72-73.].
وقد قال المفيد بأن كل أهل البدع كفار [أوائل المقالات: ص15.]، ولهذا عقد المجلسي بابًا بعنوان: "باب كفر المخالفين والنصاب" [بحار الأنوار: 72/131.].
وقال المجلسي: "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية، والواقفة" [بحار الأنوار: 37/34.].
وهذه الفرق التي يذكر كلها شيعة، فما بالك بمن دونهم في رأيهم -.
بل إن رجال الاثني عشرية يكفر بعضهم بعضًا، استمع إلى ما يرويه الكشي، ويوافقه عليه شيخ طائفتهم الطوسي [لأن رجال الكشي من اختياره وتهذيبه.]، عن حال أصحابهم من التكفير والاختلاف والتنابذ، حيث يقول في روايته بأنه في سنة (190ه‍) اجتمع ستة عشر رجلاً في باب أبي الحسن الثاني، فقال له أحدهم ويدعى جعفر بن عيسى: "يا سيدي، نشكو إلى الله وإليك [هذا من الألفاظ المنهي عنها لدخولها في دائرة الشرك، بل يقال: "نشكو إلى الله ثم إليك" وضلال هؤلاء أكبر من ذلك، ولكن هذا لتنبيه القارئ.] ما نحن فيه من أصحابنا، فقال: وما أنتم فيه منهم؟ فقال جعفر: هم والله يزندقونا ويكفرونا ويتبرؤون منا، فقال: هكذا كان أصحاب علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وأصحاب جعفر، وموسى: صلوات الله عليهم، ولقد كان أصحاب زرارة يكفرون غيرهم، وكذلك غيرهم كانوا يكفرونهم.." وقال يونس: "جعلت فداك إنهم يزعمون أنا زنادقة" [رجال الكشي: ص498-499.].
وهذا حال "رعيلهم الأول" الذين ينتسبون زورًا لأهل البيت، فما حال من بعدهم؟!
8 ـ  الأمة كلها:
ولعن الأمة الإسلامية وتكفيرها مما استفاض في كتب الشيعة، ولذلك فإن أدعية الزيارة والمشاهد التي يلهج بها الشيعة ويرددونها لا تخلو من لعن لهذه الأمة المباركة الوسط.
ففي زيارة أمير المؤمنين علي يقولون: "لعن الله من خالفك، ولعن الله من افترى عليك وظلمك، ولعن الله من غصبك [الظلم والغضب عندهم هو تولية أبي بكر وعمر وعثمان الخلافة (انظر الاعتقادات لابن بابويه ص112-113).]، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به [أي من رضي بخلافة أبي بكر لأنه رضي بزعمهم بالظلم والغصب، فيشمل جميع أمة محمد ما عدا غلاة الشيعة.]، أنا إلى الله منهم بريء، لعن الله أمة خالفتك [بتوليتها لأبي بكر.] وأمة جحدتك، وجحدت ولايتك [الولاية لعلي ممتدة عندهم منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن أقر بخلافة الثلاثة فقد جحد الولاية. (انظر: الإرشاد للمفيد ص12).]، وأمة تظاهرت عليك، وأمة حادت عنك وخذلتك، الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورد، وبئس ورد الواردين.. اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة، واللات والعزى، وكل ند يدعى دون الله [الجوابيت.. إلخ هم في اعتقادهم خلفاء المسلمين ولا سيما الخلفاء الثلاثة، والخلفاء الأمويون، والند الذي يدعى من دون الله هو الإمام الذي يبايع دون أئمتهم الاثني عشر (انظر: عقيدتهم في توحيد الألوهية).]، وكل مفتر، اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم، وأولياءهم، وأعوانهم، ومحبيهم لعنًا كثيرًا" [ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 2/354.]..
وهذه اللعنات التي تجري على ألسنة هؤلاء مكان التسبيح والتهليل لها آثارها في تعبئة نفوسهم حقدًا وكراهية للأمة ودينها..
والأمة عند هؤلاء الروافض لها ألقاب وشناعات وخواص لا توجد في كتب طائفة من الطوائف، لا لشيء إلا لأن الأمة ارتضت من رضيه الصحابة والمهاجرون لهم خليفة.
فهي أحيانًا تقذف الأمة الإسلامية جميعًا وتتهمها بالفجور [قالوا بأنه يحضر المولود أحد الشياطين ليتولى الفجور به، ولا يسلم من ذلك إلا شيعتهم، وقد مضى ذكر نصوصهم في ذلك ص:460 هامش: 4.]، وحينًا تدعي بأنهم كلهم أولاد زنا [قالوا: إن الناس كلهم أولاد بغايا ما عدا شيعتنا، وقد مضى تخريج ذلك من كتبهم ص:460 هامش: 4.]، ولذلك فإنهم يوم القيامة يظهرون على حقيقتهم فيدعون بأسماء أمهاتهم [وهذا أحد عناوين بحار الأنوار: 7/237.]، ومرة تقول بأنهم خلق منكوس وهم ليسوا من البشر، بل هم قردة وكلاب وخنازير [ومن شواهد ذلك "عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أنا مولاك ومن شيعتك، ضعيف البصر، اضمن لي الجنة. قال: أولا أعطيك علامة الأئمة؟ قلت: وما عليك أن تجمعها لي؟ قال: وتحب ذلك؟ قلت: كيف لا أحب؟ فما زاد أن مسح على بصير فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالسًا، قال: يا أبا محمد هذا بصرك، فانظر ما ترى بعينك، قال: فوالله ما أبصرت إلا كلبًا وخنزيرًا وقدرًا، قلت: ما هذا الخلق الممسوخ؟ قال: هذا الذي ترى، هذا السواد الأعظم، ولو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إلا في هذه الصورة، ثم قال: يا محمد، إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على الله، وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنة ورددتك على حالك الأول، قلت: لا حاجة في إلى النظر إلى هذا الخلق المنكوس، ردني فما للجنة عوض، فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت" (بحار الأنوار: 27/30، وعزاه إلى الخرائج والجرائح للراوندي).
فانظر إلى هذه المخاريق التي لا تشيع إلا في مجتمعات السحرة والمشعوذين، وانظر إلى دعواهم أن الأئمة يملكون الضمان بالجنة، ثم زعمهم بأن كل الناس كلاب وخنازير {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا}.]، ولهم أقوال ولعنات في الأمة كثيرة منكرة.
هذه نصوص الاثني عشرية لم تدع أحدًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وتناولته بالطعن والتكفير، وخصت بذلك صحابة رسول الله من المهاجرين والأنصار وأهل البيت النبوي، والأمصار الإسلامية وأهلها، والفرق الإسلامية، وأمة محمد وتلعن الجميع في دعواتها وصلواتها وزياراتها، فهل استثنت الشيعة أحدًا؟ نعم، إنها استثنت الفئة التالية ودافعت عنهم وأثنت عليهم.
الفئة التي تستثنيها الشيعة من عموم اللعن والتكفير للأمة:
وإذا كفرت الاثنا عشرية الصحابة والقرابة، والخلفاء، والقضاة، والأئمة والفرق الإسلامية بما فيها فرق من الشيعة. فمن تثني عليه؟
لقد رأيتها تثني على أقزام التاريخ، وحثالة البشر، بل تمدح وتدافع عن الكفرة الملحدين، والزنادقة والمنافقين، (والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف).
فهي تدافع عن المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب [انظر: عبد الله العلايلي/ الإمام الحسين، مقدمة الطبعة الثانية: ص3، 4، 19، وراجع: المنتقى: ص271-273.]، وعن الزنادقة: كالمختار بن أبي عبيد [انظر: ابن إدريس/ السرائر: ص475، وانظر: حسين البرقي/ تاريخ الكوفة: ص62.]، والنصير الطوسي [انظر: الخوانساري/ روضات الجنات: 6/300-301، الخميني/ الحكومة الإسلامية: ص128.]، وعن الكذابين والمفترين كجابر الجعفي [انظر: ص(375-378) من هذه الرسالة.]، وزرارة بن أعين [انظر: ص(378-382) من هذه الرسالة.]، وعن المجوس الحاقدين مثل أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى إنها تسميه بابا شجاع الدين [عباس القمي/ الكنى والألقاب: 2/55، وتعد يوم مقتل عمر رضي الله عنه من أعظم أعيادها، وتقول: "إن هذا يوم عيد وهو من خيار الأعياد" انظر أخبارهم في ذلك في الأنوار النعمانية للجزائري: 1/108 وما بعدها، فصل "نور سماوي يكشف عن ثواب يوم قتل عمر بن الخطاب"، وهذا اعتقادهم في عظيم الإسلام وفاروق هذه الأمة، وسبب هذا الحق أنه هو الذي فتح بلاد فارس وأخضعها لحكم الإسلام، ولذلك عظموا قاتله ويوم مقتله.].
كما تتلقى دينها عن الكفرة الذين يعتقدون في كتاب الله النقص والتحريف وفي صحابة رسول الله الكفر والردة: كإبراهيم القمي، والكليني وأمثالهما وتجعل منهم ثقات دينها، وعمدة رواياتها.
النقد:
هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد هل يحتاج إلى نقد؟ إن بطلانه أوضح من أن يبين، وكذبه أجلى من أن يكشف، وتكفير الأمة امتداد لتكفير الصحابة، والسبب واحد لا يختلف.
ومن الطبيعي أن من يحقد على صحابة رسول الله ويسبهم ويكفرهم يحقد على الأمة جميعًا ويكفرها، كما قال بعض السلف: "لا يغلّ قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كان قلبه على المسلمين أغلّ" [الإبانة لابن بطّة: ص41.] فإذا لم يرض عن أبي بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، والمهاجرين والأنصار وهم في الذروة من الفضل والإحسان، فهل يرضى بعد ذلك عن أحد بعدهم؟!
ومبنى هذا الموقف هو دعوى الروافض أن الصحابة رضوان الله عليهم أنكروا النص على إمامة علي وبايعوا أبا بكر، وقد مضى بيان بطلان النص بالنقل والعقل وبالأمور المتواترة المعلومة. وما بني على الباطل فهو باطل.
ولقد كان حكمهم بردة ذلك "الجيل القرآني الفريد" من الظواهر الواضحة على بطلان مذهب الرفض من أساسه، وأنه إنما وضع أصوله شرذمة من الزنادقة، وبطلان هذه المقالة معروف بداهة، ولذلك قال أحمد الكسروي (الإيراني والشيعي الأصل) : "وأما ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان، فلقائل أن يقول: كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي آمنوا به حين كذبه الآخرون، ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في سبيله ثم ناصروه في حروبه، ولم يرغبوا عنه بأنفسهم، ثم أي نفع لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله؟! فأي الأمرين أسهل احتمالاً: أكذب رجلاً أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة، أو ارتداد بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب" [التشيع والشيعة: ص66.].
ومع وضوح بطلان مذهبهم كما ترى لمخالفته للشرع والعقل والتاريخ، وما علم من الإسلام بالضرورة، فإنه لابد من وقفة ولو سريعة في الرد عليه؛ لأنه وجد في الماضي ويوجد اليوم من يتجاهل الدلائل والبراهين في ذلك، وحسبك أن تعرف أن أحد آيات الشيعة في هذا العصر، ومن يرفع شعار الوحدة الإسلامية، ويرددها في نشراته وخطبه ورحلاته [انظر مثلاً -: الإسلام فوق كل شيء: ص65.] وهو شيخهم محمد الخالصي قد كتب رسالة للشيخ محمد بهجة البيطار في تاريخ 26 ربيع الأول سنة 1382ه‍ يقول فيها:
"لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمه الكتاب والسنة، والإطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد، والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو أن كتاب الله وسنته لم تذكر الصحابة بخير، ولا تدل على فضل لهم لأنهم صحابة" [رسالة الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة للشيخ محمد بهجة البيطار: ص6.].
فالخالصي هنا لا يذكر الصحابة بخير مع تواتر النصوص في فضلهم، ولكنه يقول عن أئمته: إن "الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله تعالى الأعمال من العباد إلا بولايتهم" [الخالصي/ الاعتصام بحبل الله: ص43.] مع أن الاثني عشر لا ذكر لهم ولا لإمامتهم أصلاً في كتاب الله سبحانه. فانظر كيف يكذبون بالحقائق الواضحات، ويصدقون بالكذب الصريح.
وإذا كان الأمر وصل إلى هذا الحد فإننا نسوق الأدلة والبراهين على نقض مذهب الرافضة، وبيان فضل الصحابة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة، والتاريخ، والعقل، والأمور المعلومة المتواترة.. ونكشف من خلال كتب الشيعة نفسها مؤسس وواضع هذه العقيدة في المذهب الشيعي.
وهو بالتالي نقض لمذهبهم في تكفير الأمة جميعًا، لأن السبب الذي كفروا به الصحابة هو السبب بعينه الذي كفروا به سائر المسلمين، ولكن الصحابة رضوان الله عليهم يختصون بالمزيد من السب واللعن والتكفير قديمًا وحديثًا بهدف إبطال الشريعة التي ينقلونها للأمة.
أ ـ  القرآن الكريم:
لقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عنهم، وأثنى الله عليهم في آيات كثيرة جلية واضحة، لا نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن بالاثني عشر.
ـ قال جل شأنه : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران، آية: 110.].
"وكفى فخرًا لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس، فإنهم أول داخل في هذا الخطاب، ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته" [ابن حجر الهيثمي/ الصواعق المحرقة: ص7.].
ولهذا جاء تأويلها عن السلف بأقوال "مقتضاها أن الآية نزلت في الصحابة، قال الله لهم كنتم خير أمة" [ابن عطية/ المحرر الوجيز: 3/193، ولهذا قال علامة الشيعة الزيدية محمد بن إبراهيم الوزير بعدما ذكر من أحوال أولئك الصحب العظام ما لم تر أمة من أمم الأرض مثله. قال: "وهذه الأشياء تنبه الغافل، وتقوي بصيرة العاقل، وإلا ففي قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كفاية وغنية" (الروض الباسم: 1/56-57، وانظر: محب الدين الخطيب/ الجيل المثالي: ص19).].
ـ وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التّوبة: آية: 100.].
فالآية صريحة الدلالة على رضاء الله سبحانه عن المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، وتبشيرهم بالفوز العظيم، والخلود في جنات النعيم، ولهذا قال ابن كثير عند هذه الآية:
"فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم [بل تجاوزوا مرحلة السب إلى الحكم بالردة والتكفير.]، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضي الله عنهم" [تفسير ابن كثير: 2/410.].
ـ وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح، آية: 18.].
قال ابن حزم: "فمن أخبرنا الله سبحانه أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة" [الفصل: 4/225.].
"والذين بايعوا تحت الشّجرة بالحديبيّة عند جبل التّنعيم [التّنعيم: على ثلاثة أميال أو أربعة من مكّة المشرّفة، سمّي به لأنّ على يمينه جبل نعيم كزبير، وعلى يساره جبل ناعم، والوادي اسمه نعمان بالفتح. (انظر: تاج العروس، مادّة "نعم"، ومعجم البلدان، لفظ "تنعيم").] كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة [منهاج السنة: 2/15-16 (تحقيق د. رشاد سالم).]...
وهؤلاء كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم [منهاج السّنّة: 1/206.].
ولقد خاب وخسر من رد قول ربه أنه رضي عنه المبايعين تحت الشجرة.. وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وطلحة والزبير وعمارًا والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة، وقد انتظمت الخوارج والروافض البراءة منهم خلافًا لله عز وجل وعنادًا [الفصل: 4/226.].
وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح، آية: 29.].
فانظر إلى عظيم مقام الصحابة، حيث أثنى الله عليهم بهذه الأوصاف، وأخبر أن صفتهم مذكورة في التوراة والإنجيل، حتى ذكر بعض أهل العلم أنّ ظاهر هذه الآية يُوجب أنّ الرّوافض كفّار؛ لأنّ في قلوبهم غيظًا من الصّحابة وعداوة لهم، والله يقول: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}، فبيّن أنّ من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفّار [انظر: الإسفراييني/ التّبصير في الدّين: ص25، تفسير ابن كثير: 4/219، تفسير القاسمي: 15/104.].
ـ وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد، آية: 10.].
وقد حكم الله لمن وعد بالحسنى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء، آية: 101، 102، 103.].
فجاء النص أن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم فقد وعده الله تعالى بالحسنى، وقد نص الله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران، آية: 9.] وصح بالنص أن كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى، فإنه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها، وهو فيما اشتهى خالد لا يحزنه الفزع الأكبر.. وليس المنافقون ولا سائر الكفار من أصحابه صلى الله عليه وسلم [المحلى: 1/42.].
ـ وقال سبحانه: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر، الآيات: 8، 9، 10.].
وهذه الآيات تتضمّن الثّناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاًّ لهم، وتتضمّن أنّ هؤلاء الأصناف هم المستحقّون للفيء.
ولا ريب أن هؤلاء الرّافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسّابقين، وفي قلوبهم غلّ عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الرافضة من ذلك، وهذا ينقض مذهب الرافضة [منهاج السنة: 1/204.].
والآيات في هذا الباب كثيرة [وحبذا لو قام أحد طلبة قسم القرآن وعلومه بتسجيل موضوع في "الصحابة في القرآن الكريم" لإظهار عظيم ثناء الله على هذا الجيل القرآني الفريد.].
ب ـ  السنة المطهرة:
وكتب السنة مليئة بالثناء على الصحب، وبيان فضلهم عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
  فنصوص تثني عليهم جميعًا كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" [أخرجه البخاري، باب فضائل أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم 4/195. ومسلم، واللّفظ له، في كتابه فضائل الصّحابة، باب تحريم سبّ الصّحابة رضي الله عنهم: 2/1967 (ح2540)، وأبو داود في كتاب السّنّة، باب في النّهي عن سبّ أصحاب رسول الله: 5/45 (ح4658)، والتّرمذي في كتاب المناقب، باب 59: 5/695-696 (ح3861).].
وقوله عليه الصلاة والسلام: "خير النّاس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرني أو ثلاثة" [أخرجه البخاري: 3/151، في كتاب الشّهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد.. واللّفظ له، ومسلم بنحوه في كتاب فضائل الصّحابة، باب فضل الصّحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم: 2/1962 (ح2533).].
  ونصوص تثني على جماعات منهم على سبيل التعيين كأهل بدر، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم: ".. وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" [أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل أهل بدر: 2/1941 (ح2494).].
وأصحاب الشّجرة أهل بيعة الرّضوان، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشّجرة أحد، الذين بايعوا تحتها" [أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل أصحاب الشّجرة: 2/1942 (ح2496).]. وغيرهما [راجع: جامع الأصول، الباب الرّابع في فضائل الصّحابة ومناقبهم، وفيه خمسة فصول: 8/547 وما بعدها، وانظر: فضائل الصّحابة للإمام أحمد، وفضائل الصّحابة للنّسائي، وانظر: الشّوكاني/ درّ السّحابة في مناقب القرابة والصّحابة، الكبيسي/ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسّنّة: ص161.].
3ـ ونصوص تثني على آحادهم وهي كثيرة ذكرتها كتب الصحاح، والسنن والمسانيد.
ولكن الشيعة قد رضيت لنفسها أن تنأى عن هذا المورد العظيم فهي لا تعرج في مقام الاستدلال عليها، ولا تحتج بها، ولا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونها، كما أنه لا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها، وإنما ينبغي أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به، سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه [الفصل: 4/159.].
ولذا أكتفي في هذا المقام بالإحالة على الكتب الأمهات في أبواب فضائل الصحابة؛ ففيها أحاديث كثيرة في فضل الصحابة والثناء عليهم، والنهي عن سبهم وأقيم عليهم الحجة من كتبهم أيضًا، من أقوال الأئمة التي يعدونها كأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج‍ ـ  ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم:
في الخصال لابن بابويه القمي: « عن أبي عبد الله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا [هذا من وضع الجهّال، فعدد الصّحابة الذين شهدوا معه صلى الله عليه وسلم حنينًا اثنا عشر ألفًا سوى الأتباع والنّساء، وجاءت إليه هوازن مسلمين، وترك مكّة مملوءة ناسًا، وكذلك المدينة أيضًا، وكلّ من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلّهم لهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجّة الوداع وكلّهم له صحبة. (ابن الأثير/ أسد الغابة: 1/12).
قال أبو زرعة: توفي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن رآه وسمع منه زيادة عن مائة ألف إنسان من رجل وامرأة. (تدريب الرّاوي: 2/221، الإصابة: ص4، الذهبي/ تجريد أسماء الصّحابة صلى الله عليه وسلم: ص(ب)، والمعتمد أنّه ليس هناك تحديد ثابت لهم. انظر: السّخاوي/ فتح المغيث: 3/111).]، ثمانية آلاف في المدينة وألفان من أهل مكّة، وألفان من الطّلقاء، لم يرد فيهم قدري، ولا مرجئ، ولا حروري، ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون اللّيل والنّهار » [ابن بابويه القمي/ الخصال: ص 639-640، وانظر: المجلسي/ البحار: 22/305.].
وفي البحار للمجلسي:
عن الصّادق عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: "أوصيكم بأصحاب نبيّكم لا تسبّوهم، الذين لم يحدثا بعده حدثًا ولم يؤووا مُحدِثًا، فإنّ رسول الله أوصى بهم الخير" [المجلسي: البحار 22/305-306.].
وفي البحار أيضًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني" [أمالي الصدوق: 240-241، بحار الأنوار: 22/305.].
وعن موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمّتي ما يوعدون، ولا يزال هذا الدّين ظاهرًا على الأديان كلّها ما دام فيكم من قد رآني" [المجلسي/ البحار: 22/ 309-310، وعزاه إلى نوادر الرّواندي: ص23.].
وفي معاني الأخبار لشيخهم ابن بابويه القمي (الصدوق) : "عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما وجدتم في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله عز وجل، وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم (ثم زاد دعاة التفرقة على هذا النص الزيادة التالية) فقيل: يا رسول الله، ومن أصحابك؟ قال: أهل بيتي" [ابن بابويه/ معاني الأخبار: 156-157، المجلسي/ البحار: 307.].
ولا شك أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جدًا، وقد لاحظ صدوقهم هذا البعد فعقب على النص السالف بقوله: "إن أهل البيت لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بمر الحق، وربما أفتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، والتقية رحمة للشيعة" [ابن بابويه/ معاني الأخبار: 156-157، المجلسي/ البحار: 307.].
فهو هنا يحمل "النص الذي يثني على الصحابة" على التقية، والعقل والمنطق يعترض على هذا "التأويل" فلم يكون الثناء على الصحابة الذي أثنى عليهم الله ورسوله، وشهد التاريخ بفضلهم وجهادهم تقية، ويكون السب لهم هو الحقيقة وهو مذهب الأئمة؟ إنه لا دليل لهم على هذا المذهب سوى أنه يتمشى مع منطق أعداء الأمة.
ثم إن النص السابق يرويه "جعفر الصادق" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل رسول الله يكذب على الأمة تقية أو أن جعفرًا يكذب على رسول الله من أجل التقية؟! وكلا الأمرين طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومخالفة صريحة للنصوص.
وفي نهج البلاغة يقول علي رضي الله عنه في أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما على اختلاف بين شيوخ الشيعة في ذلك [انظر: ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97.] : "لله بلاء فلان [أي عمله الحسن في سبيل الله (ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97).] فلقد قوم الأود [وهو كناية عن تقويمه لاعوجاج الخلق عن سبيل الله إلى الاستقامة. (مثيم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97).]، وداوى العَمَد [العمد بالتّحريك: العلّة. انظر: صبحي الصّالح في تعليقه على نهج البلاغة ص:671.]، وأقام السّنّة.. وخلف الفتنة [تركها خلفًا لا هو أدركها ولا هي أدركته (المصدر السّابق).]، ذهب نقي الثّوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته واتّقاه بحقّه" [نهج البلاغة: ص350 (تحقيق صبحي الصّالح).].
وهذا نصّ عظيم يهدم كلّ ما بنوه وزعموه عن عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي الله عنهم.
وقد احتار "الروافض" بمثل هذا النص؛ لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت، وصور شيخهم ميثم البحراني [ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ الإمامية، من أهل البحرين، من كتبه: "شرح نهج البلاغة"، توفي في البحرين سنة 679ه‍ (معجم المؤلفين: 13/55).] ذلك بقوله: "واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأ".
ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح من أجل "استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام". أي: أن عليًا في زعمهم أراد خداع الصحابة، وأظهر لهم خلاف ما يبطن فهو خطب هذه الخطبة العامة أمام الناس، وهي مبنية على الكذب، هذا هو جواب من يزعم التشيع لعلي [ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/98.].
وما أعتقد أن عاقلاً يرضى هذا "الجواب"، وإننا نقول بأن إجماع الشيعة ضلال، وقول علي هو الحق والصدق، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم.
وقد يقول قائل: هذه النصوص المنقولة من كتبهم تناقض ما سلف من تكفير الشيعة للصحابة، وأقول: نعم، لأن هذا المذهب يحمل في رواياته هذه الصورة المتناقضة، لكن شيوخهم وضعوا أصولاً وأقوالاً نسبوها للأئمة للتخلص من هذه الأخبار، والخروج من هذا التناقض، فمن أصولهم أن هذا التناقض أمر مقصود لإخفاء حقيقة المذهب حتى لا يقضى على المذهب وأهله من قبل العامة (يعني أهل السنة) [انظر: أصول الكافي: 1/65.].
وقالوا عند الاختلاف: "خذوا بما خالف العامة، فإن فيه الرشاد" [انظر: ص (413) من هذه الرسالة.]. ولذلك يحمل شيوخهم أمثال هذه الروايات على التقية، ولأنها روايات قليلة بالنسبة لأخبارهم الكثيرة التي تفكر وتلعن، فهم لا يأخذون بها، فمفيدهم يقول: "ما خرج للتقية لا يكثر روايته عنهم كما تكثر روايات المعمول به" [تصحيح الاعتقاد : ص71.].
ولذلك تجد في تعقيب ابن بابويه إشارة إلى أن مدح الصحابة في الرواية التي ذكرها إنما هو على سبيل التقية، وكذلك في تعقيب ميثم.
وإذا كان الأمر كذلك فإني إنما ذكرت هذه الأخبار وأمثالها لإثبات تناقض المذهب أمام العقلاء، وتبصير من يريد الحق من أتباع المذهب إلى أن هذه الروايات هي الحقيقة لا التقية؛ لاتفاقها مع كتاب الله سبحانه وإجماع الأمة.
وبيان أن عقيدة التقية جعلت من المذهب ألعوبة بأيدي الشيوخ يوجهونه وفق إرادتهم، فلم يعد مذهب أهل البيت، إنما مذهب الكليني والقمي والمجلسي وأضرابهم.
دلالة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه:
أولاً: قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا به، وصحبة له وقربًا إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة           وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال مالك وغيره: إنّما أراد هؤلاء الرّافضة الطّعن في الرّسول صلى الله عليه وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة [منهاج السّنّة: 4/123.].
ثانيًا: إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهرة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى، حيث كان الإسلام إذ ذاك قليلاً، والكفار مستولون على عامة الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وسلم وهو وحيد فقير، ذليل خائف، مقهور مغلوب، وأهل الأرض يد واحدة في عداوته، وقد خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبًا لله ورسوله.
وهذا كله فعلوه طوعًا واختيارً، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه [منهاج السنة: 4/128.]؟! لاسيما والسبب الذي تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي، لا يوجد فيه ما يدفعهم إلى التضحية بإيمانهم، وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر، فما الذي حملهم على ذلك وهم يعلمون أنه كفر بربهم، ورجوع عن دينهم، وتركوا اتباع قول رسول الله في بيعة علي بن أبي طالب، وقد علموا أنها طاعة نبيهم، والثبات على دينهم، هل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار أبا بكر في الكفر بالله، ويتركوا اتباع قول رسول الله في علي؟ وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون.
ثالثًا: إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة، ولذلك قال أبو زرعة: « إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن حق، وإنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة" [الكفاية: ص49.].
ولذلك اعترفت كتب الشّيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت إنه: "أوّل من أظهر الطّعن في أبي بكر عمر وعثمان والصّحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أنّ عليًّا عليه السّلام أمره بذلك" [القمي/ المقالات والفِرَق: ص20، النّوبختي/ فِرَق الشّيعة: ص19-20.].
رابعًا: أنّ عليًّا رضي الله عنه لم يكفّر أحدًا ممّن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنّقل الصّحيح أنّ مناديه نادى يوم الجمل: لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال [وهذا ممّا أنكرته الخوارج عليه حتى ناظرهم ابن عبّاس رضي الله عنه في ذلك. (منهاج السّنّة: 4/181).].. واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعًا مسلمون ليسوا كفارًا ولا منافقين [منهاج السنة: 4/181.].
وهذا ثبت بنقل الشّيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم: "عن جعفر عن أبيه أنّ عليًّا عليه السّلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشّرك، ولا إلى النّفاق، ولكنّه يقول: هم بغوا علينا" [قرب الإسناد: ص 62، وسائل الشّيعة: 11/62.].
ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ لا دين الأئمة، فقد قال الحر العاملي في التعليق على النص السابق: "أقول: هذا محمول على التّقية" [وسائل الشّيعة: 11/62.].
وجاء في كتاب علي إلى أهل الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: "وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشّام، والظّاهر أنّ ربّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتّصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء" [نهج البلاغة: ص 448.].
وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال: "إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم" [نهج البلاغة: ص323.].
فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة.
خامسًا: "إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد، إنما استثنتهم لأنهم بزعمها على مذهب الرفض من تفكير أبي بكر وعمر، وإنكار بيعتهما، وهذا من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم؛ لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرًا على مدائن كسرى من قبل عمر يدعو إلى إمامته وطاعته.. وهذا عمّار كان أميرًا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وهذا المقداد وغيره كانوا في عساكر الصّحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة" [أبو المحاسن الواسطي/ المناظرة: الورقة(66)، وانظر: ص(66-67) من هذه الرّسالة.].
سادسًا: من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم لم يؤثروا على الله شيئًا، وبلغ المكروه بهم كل مبلغ، وبذلوا النفوس في الله حتى أيد الله تعالى بهم نبيه، وأظهر بهم دينه، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره؟ أم كيف يجترئ على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم [التنبيه والرد: ص10-11.]؟! ولهذا قال الخطيب البغدادي: "على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم" [الكفاية: ص49، وانظر مثل هذا المعنى: الإيجي/ المواقف: ص413.].
ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من أذى واضطهاد، حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة، وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب، وعانوا من فراق الوطن والأهل والعشيرة فهاجروا إلى الحبشة، والمدينة، وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته، وحاربوا الأهل والعشيرة، إلى آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.
من يتأمل شيئًا من هذه الأحوال، يعرف عظمة ذلك الجيل، وقوة إيمانه، وصدق بلائه.
سابعًا: قامت القرائن العملية، والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة، والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة رضوان الله عليهم.
وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر [انظر: عقد أم كلثوم للشيخ فاروقي، محمد صديق/ التحقيق الجلي في تزويج أم كلثوم بنت علي.]. فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الاثني عشرية أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبروا فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟! إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي الله عنه كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض [السمعاني/ الأنساب: 1/347.].
والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في تشيعه لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله -: "إن عليًا عليه السلام زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشي عليه" [ابن الجوزي/ المنتظم: 7/38-39.] لشعوره بعظيم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض.
وقد حاول شيوخ الشّيعة إبطال مفعول هذا الدّليل فوضعوا روايات الأئمّة تقول: "ذلك فرج غصبناه" [فروع الكافي: 2/10، وسائل الشّيعة: 7/ 434-435.]، فزادوا الطين بلة، حيث صوّروا أمير المؤمنين في صورة "الدّيّوث" الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟! "إنّ أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبًا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب؟!" [السويدي/ مؤتمر النّجف: ص86.].
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أنّ أم كلثوم لم تكن بنت علي ولكنّها جنّيّة تصوّرت بصورتها [انظر: الأنوار النّعمانيّة: 1/ 83-84، وقد جاء مثل هذا التّوجيه في كتب الإسماعيليّة. انظر: الهفت الشّريف: ص84 وما بعدها.].
ومن القرائن أيضًا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إنّ عليًّا والحسن والحسين يسمّون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمي أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته، يرددها مع أهلها في يومه مرات وكرات؟! [انظر ما سجّله محبّ الدّين الخطيب من علاقات المصاهرة بين الآل والأصحاب وأولاد آل البيت الذين يحملون أسماء الخلفاء الثّلاثة وغيرهم من الصّحابة في كتابه: "حملة رسالة الإسلام الأوّلون وما كانوا عليه من المحبّة والتّعاون" ص:11 وما بعدها، أو "نشأة التّشيّع وتطوّره": ص12 وما بعدها، وانظر: ما سجّله إحسان إلهي ظهير ممّا نقله من كتب الشّيعة في هذا الباب في كتابه "الشّيعة وأهل البيت"، ممّا لا حاجة لتكرار نقله هنا.].

في الإمامة – وفيه ست تنبيهات
                التنبيه الأول : أعلم أن أول ما أختلف فيه من مسائل هذا الباب كون نصب الإمام واجباً على العباد أو على الله تعالى . فأهل السنة على الأول ، والشيعة على الثاني . والفطرة شاهدة للأول إذ كل فرقة تقرر لأنفسهم رئيساً من بينهم ، وكذا الشرع أيضاً إذ الشارع قد أوضح شرائط الإمام وأوصافه ولوازمه بوجه كلى كما هو شانه في الأمور الجبلية كالنكاح ولوازمه مثلاً . وايضاً لا معنى للوجوب عليه تعالى بل هو مناف للالوهية والربوبية كما هو مقرر في محله . وأيضاً كل ما يتعلق بوجود الرئيس من أمور المكلفين – من إقامة الحدود والجهاد وتجهيز الجيوش إلى غير ذلك – واجب عليهم ، فلابد وأن يكون نصب الرئيس واجباً عليهم ، لأن مقدمة ما يجب على أحد واجبة عليه ، ألا ترى أن الوضوء وتطهير الثوب وستر العورة واجب على المصلى كالصلاة ، لا عليه تعالى ، وهذا ظاهر . وأيضاً إن تأملنا علمنا ان نصب الإمام من قبل البارى يتضمن مفاسد كثيرة ، لأن آراء العالم مختلفة واهواء نفوسهم متفاوتة ، ففي تعيين رجل لتمام العالم في جميع الأزمنة إلى منتهى بقاء الدنيا إيجاب لتهييج الفتن ، وجر لامر الإمامة على التعطيل ودوام الخوف والتزام الاختفاء كما وقع للجماعة الذين يعتقد الشيعة إمامتهم ، فمع هذا قولهم (( نصب الإمامة لطف )) في غاية السفاهة يضحك عليه ، إذ لو كان لكفاً لكان بالتأييد والإظهار لا بغلبة المخالفين والانتصار ، فإذا لم يكن التأييد في البين ، لم يكن النصب لطفاً كما يظهر لذى عينين .
                وما اجاب عنه بعض الإمامية – بان وجود الإمام لطف ، وتصرفه وتمكينه لطف آخر ، تصرف الأئمة إنما هو من فساد العباد وكثرة الفساد ، فإنهم خوفوهم ومنعوهم بحيث تركوا من خوفهم على أنفسهم إظهار الأمامة ، وإذا ترك الناس نصرتهم لسوء اختيارهم فلا يلزم قباحة في كونه واجباً عليه تعالى ، والاستتار والخوف من سنن الأنبياء فقد أختفى  في الغار خوفاً من الكفار – ففيه ( 1 ) غفلة عن المقدمات المأخوذة في الأعتراض ، إذ المعترض يقول : الوجود بشرط التصرف والنصرة لطف ، وبدونه متضمن لمفاسد . فالواجب في الجواب التعرض لدفع لزوم المفاسد ، ولم يتعرض له كما لا يخفى . وأيضاً يرد على القائل بكونه لطفاً آخر ترك الواجب عليه تعالى ، وهذا قبح من ترك النصب . وأيضاً يقال عليه : هذا اللطف الآخر إما من لوازم النصب أولا ، فعلى الأول لزم من تركه ترك النصب لن ترك اللازم يستلزم ترك الملزوم .
-----------------------
( 1 ) أى في هذا الجواب من الإمامية .
وعلى الثاني لم يبق النصب لطفاً للزوم المفاسد الكثيرة ، بل يكون سفهاً وعبثاً ، تعالى الله عن ذلك .
                وأيضاً ما ذكره من تخويف الناس للأئمة غير مسلم ، وهذه كتب التواريخ المعتبرة في البين . وأيضاً التخويف الموجب للاستتار غنما هو إذا كان بالقتل ، وهذا لا يتصور في حق الأئمة لأنهم يموتون باختيارهم كما أثبت ذلك الكلينى في الكافى وبوب له ( 1 ) . وأيضاً لا يفعل الأئمة أمراً إلا بإذنه تعالى ، فلو كان الإختفاء بأمره تعالى وقد مضت مدة والخفاء هو الخفاء ، فلا لطف بلا أمتراء ( 2 ) .
                وأيضاً إن كان واجباً للتخويف لزم ترك الواجب في حق الذين لم يكونوا كذلك كزكريا ويحيى والحسين ، وإن لم يكن واجباً بأن كان مندوباً لزم على من أختفى ترك الواجب الذى هو التبليغ لأجل مندوب ، وهو فحش . ولإن كان آمر الله تعالى مختلفاً بان كان في حق التاركين بالندب مثلاً وفي حق المستترين بالفرض لزم ترك الأصلح الواجب بزعم الشيعة في أحد الفريقين ، وهو باطل . ولا يمكن ان يقال الأصلح في حق كل ما فعل ، لأنا نقول إن الإمام بوصف الأمامة لا يصح أختلاف وصفه كالعصمة ، لأن أختلاف اللوازم يستلزم أختلاف الملزومات ، فيلزم أن لا يكون أحد الفريقين إماماً فلا يكون الأصلح في حقهم إلا أحد الحالين وإلا لزم اجتماع النقيضين كما أن الموضوع إذا كان مأخوذاً بالوصف العنواني فثبوت المحمول له بالضرورة بشرط الوصف يكون لازماً ويمتنع حمل نقيضه عليه كما لا يخفى . وأيضاً نقول : الاختفاء من القتل نفسه محال لأن موتهم باختيارهم ‍! وإن كان من خوف إيذاء البدن يلزم أن الأئمة فروا من عبادة المجاهدة وتحمل المشاق في سبيل الله تعالى وهذا بعيد عنهم ومع هذا لا معنى لاختفاء صاحب الزمان بخصوصه (3) فإنه يعلم باليقين أنه يعيش إلى نزول عيسى ولا يقدر أحد على قتله وأنه سيملك الأرض بحذافيرها فبأي شيء يتخوف ويختفي ؟ ولماذا لم يظهر الدعوة ويتحمل المشقة كما فعله -------------------------
( 1 ) في ص 62 من طبعة إيران سنة 1287 وعنوان الباب (( باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وانهم لا يموتون غلا بأختيار منهم )) وكتاب الكافى للكلينى عند هذه الطائفة بمنزلة صحيح البخارى عند المسلمين .
( 2 ) وفي بخاريهم الذى يسمونه ( الكافى ) للكلينى  ص 68 باب مستقل عنوانه (( باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلونه إلا بعهد من الله وامر لا يتجاوزونه )) .
( 3 ) صاحب الزمان وقد يسمونه صاحب الدار هو الصبي الذي زعموا أنه إمامهم الثاني عشر ودخل السرداب صبياً في مدينة سر من رأى ومنذ أكثر من ألف سنة يدعون بأن يعجل الله فرجه ويرمزون لهذا الدعاء بهذين الحرفين (ع.ج) أو (عج) ، منتظرين خروجه من السرداب وبيده السيف فيذبح البشر جميعاً وفي مقدمتهم المسلمين أهل السنة والجماعة ويمحقهم محقاً وليس في الشيعة شاعر إلا قصيدة في صاحب الزمان ساكن السرداب والدعاء بأن يعجل الله فرجه وحتى البهاء العاملى صاحب الكشكول وخلاصة . الحساب له قصيدة يغنى فيها على ألحان هذه الموسيقى ولهم في بلدة قم رئيس يزعمون أنه آية الله وهو يمثل خدمة صاحب الزمان ويجمع الصدقات باسمه لا لأن الإمام يحتاج إلى ما في أيدى الناس يحتاجون أن تقبل صدقاتهم منه ! وقد أراد مندوب جريدة الأخبار المصرية أن يجتمع به فسافر إليه ولقي في ذلك أعظم المشقات ، ومع ذلك لم يتوصل إلى رؤية صاحب هذا المقام الرفيع لأن خادم صاحب السرداب يجب أن يكون هو الآخر في سرداب ! .
سيد الشهداء ؟ وما قاله المرتضي في كتابه ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) من أنه فرق بين آبائه الكرام فإنه مشار إليه بأنه مهدي قائم صاحب السيف قاهر للأعداء منتقم منهم مزيل للدولة والملك عنهم فله مخافة لا تكون لغيره فكلام لا لب فيه لأن خوف القتل نفسه قد غلب عليه ومع هذا معلوم له باليقين أن أحداً لن يقتله أبداً . وأيضاً ألا يعلم أن المخالفين لا يقبلون من أحد دعوى المهدوية قبل ألف سنة وأن المهدي يظله السحاب لا سقف السرداب وأنه يظهر في مكة لا في سر من رأى ، ويدعو الناس بعد الأربعين من عمره لا في زمن الطفولة ولا في الشيخوخة على أن السيد محمد الجنفوري في الهند ولم يقتل ولم يخوف وأيضاً قد كثر محبوه وناصروه في زمن الدولة الصفوية أكثر من رمل الصحارى والحصى فالاختفاء مناف لمنصب الإمامة الذي مبناه على الشجاعة والجرءة فهلا خرج وصبر واستقام إلى أن ظفر وهلا كان القوم الذين قال الله تعالى فيهم  وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين  ثم ما حكى أولاً من قصة الغار واستتار سيد الأبرار من خوف الكفار فكلام واقع في غير موقعه لأن استتاره عليه الصلاة والسلام لم يكن لإخفاء دعوى النبوة بل كان من جنس التورية في الحرب لأجل أن الكفار لا يطلعون على مقصده ولا يسدون الطريق عليه وهذا أيضاً كان ثلاثة أيام فقياس ما نحن فيه عليه غاية الحماقة والوقاحة ففرق واضح لا يخفى على من له أدنى عقل بين الاختفاء الذي كان مقدمة لظهور الدين والغلبة على الكافرين وبين الاختفاء الذي لازمه الخذلان وترك الدعوة وانتشار الطغيان فالأول تلوح مياه الهمة من أسرته وتتبلج أقمار النصرة من تحت طرته بخلاف الثاني فغبار الجبن يلوح على خده والفرار عن الدعوة موسوم على حده فأي فرقة سخرها الإمام لنفسه في هذه الغيبة وأي ملك ملكه !؟ ولو ابتغى صاحب الزمان فرصة ثلاثمائة سنة مكان ثلاث ليالي وعوض الغار سرداب سر من رأى وبدل المدينة المنورة دار المؤمنين ( قم ) ودار الإيمان ( كاشان ) وبدل الأنصار شيعة فارس والعراق قائلاً بأنى في هذه الصورة أجمع الأسباب وأتخذ الأصحاب ثم خرج لكشف الغمة وإصلاح حال الأمة لتحمل أهل السنة وغيرهم هذه الشرائط وأنى ذلك فليست هذه إمامة بل هي لعمرك قيامة وقد ترك الشيخ (1) صاحب ( كنز العرفان ) من المتأخرين طريق القدماء وقال : كان الاختفاء لحكمة أستأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده ويرد عليه أن هذا الدعاء مجرد يمكن أن يقال مثله في كل أمر يكون مناقضاً للطف ، فلا يثبت اللطف في شئ ! وبه يفسد كلام الشيعة كله ، لأن مبنى أدلتهم عليه ، يقولون : إن أمر كذا لطف واللطف واجب عليه تعالى ! فليتأمل . والله
--------------------
( 1 ) السيوري أحد أعلام الشيعة الذي سبقت الإشارة إليه في ص81  .
سبحانه يحق الحق وهو يهدى السبيل .
                التنبيه الثاني : أعلم أن قول الله تعالى  أبعث لما ملكاً نقاتل في سبيل الله  وقوله تعالى  الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر  وقوله تعالى  وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا  إلى غير ذلك من الآيات يدل على أن هداية الناس والصبر على مشقة مخالطتهم من لوازم الإمامة ، وكذا الجهاد في سبيل الله ، والعقل يحكم بذلك . وقال أمير المؤمنين (( لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر . يعمل في إمرته المؤمن ويستمع فيها الكافر ، ويبلغ فيها الأجل وتأمن فيها السبل ، ويؤخذ به للضعيف من القوى ، حتى يسريح بر ويستراح من فاجر )) كذا في نهج البلاغة . ولا يمكن حمله على التقية ، لما ذكره في نهج البلاغة من أنه t قاله لما سمع قول الخوارج (( لا إمارة )) فلا محل للتقية في مقابلتهم ، فتأمل في هذا الكلام ، وتفكر في هذا المقام تر الفلاح أوضح من الصباح ، وان الحق عند اصحاب الجنة وأهل السنة . والله تعالى أعلم .
التنبيه الثالث :  (( العدالة )) شرط الإمامة ، لا (( العصمة )) بمعنى أمتناع صدور الذنب كما في الأنبياء ، خلافاً للشيعة ولا سيما الإمامية والإسماعيلية قالوا : لابد منها علماً وعملاً ، وهو مخالف للكتاب والعترة .
أما الكتاب فقوله تعالى  إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً  فكان واجب الطاعة بالوحي ، ولم يكن معصوماً بالإجماع . وقوله تعالى  إنى جاعل في الأرض خليفة  فكان قبل النبوة إماماً وخليفة ، وصدر منه ما صدر ، ويدل على ذلك قوله تعالى  فعصى آدم ربه فغوى  وقوله  ثم أجتباه ربه  والاجتباء في قوله تعالى في حق يونس  فأجتباه ربه فجعله من الصالحين  الأصطفاء للدعاء وعذره ورده إليه لا الاسنباء ، إذ قد ثبت قبل بقوله تعالى  وإن يونس بمن المرسلين ، إذ أبقى إلى الفلك المشحون  بخلاف ما نحن فيه ، كذا قيل ، فليتأمل . وأما أقوال العترة فقد أسلفنا قول الأمير (( لابد للناس ألخ )) وأيضاً روى في الكافى ما قال الأمير لأصحابه (( لا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإنى لست آمن أن أخطى )) والحمل على المشورة الدنيوية ياباه الصدر كما لا يخفى .
وأيضاً روى صاحب الفصول عن أبي مخنف أنه قال : كان الحسين يبدى الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية ويقول : لو جز أنفى كان أحب إلى مما فعله أخى .
وإذا خطأ أحد المعصومين الاخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة ، لامتناع اجتماع النقيضين . وأيضاً في الصحيفة الكاملة للسجاد (( وقد ملك الشيطان عنانى في سوء الظن وضعف اليقين ، وإنى أشكو سوء محاورته لى وطاعة نفسى له )) فظاهر أنه – على الصدق والكذب – مناف للعصمة .
ومن أدلتهم على العصمة أن الإمام لو لم يكن معصوماً لزم التسلسل . بيان الملازمة أن المحوج للنصب هو جواز الخطأ للأمة ، فلو جاز الخطأ عليه أيضاً لافتقر إلى أخر وهكذا ، فيتسلسل . ويجاب بمنع أن المحوج ما ذكر ، بل المحوج تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد وحفظ بيضة الأسلام مثلاً ، ولا حاجة في ذلك إلى العصمة ، بل الإجتهاد والعدالة كافيان . ولما لم يكن إثم على التابع إذ ذاك أستوى جواز الخطأ وعدمه . سلمنا . لكن التسوية ممتنعة بل تنتهى السلسلة إلى النبي . سلمنا لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة عند الإمامية ، وليس بمعصوم إجماعاً فيلزم ما لزم ، والجواب هو الجواب .
ومن الأدلة أيضاً أنه حافظ للشريعة فكيف الخطأ ؟ ويجاب بالمنع ، بل هو مروج ، والحفظ بالعلماء لقوله تعالى  الربانيون والأحبار بما أستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء  وقوله تعالى  كونوا ربانيين بما كنتم تدرسون  . وأيضاً إذا كان الحفظ بالعلماء زمن الفترة وفي الغيبة على ما في كشكول الكرامة للحلى ففي الحضور كذلك . سلمنا ، لكن الحفظ بالكتاب والسنة والإجماع لا بنفسه ، وممتنع الخطأ في هذه الثلاثة ، والآراء ، لا دخل لهما في صلب الشريعة ، فلا ضرورة في حفظها . سلمنا ، ولكن ذلك منقوض بالنائب . وقد يقال بأن وجود المعصوم لو كان ضرورياً للأمن من الخطأ لوجب أن يكون في كل قطر بل في كل بلدة ، إذ الواحد لا يكفى للجميع بل هو مستحيل بداهة لانتشار المكلفين في الأقطار ، والحضور مستحيل عادة ، ونصب نائب لا يفيد لجواز الخطأ لا يفيد لجواز الخطأ وعدم إمكان التدارك لا سيما في الغيبة والوقائع اليومية إذ الإطلاق ممنوع ، وعلى تسليمه الإعلام إما برسول ولا عصمة ، أو بكتاب والتلبيس جائز . على أن الفهم إنما هو إستعمال قواعد الرأى وضوابط القياس ، والكل مظنة الخطأ ، فلا يحصل المقصود إلا بنصب معصوم في كل قطر وهو محال .
التنبيه الرابع : الإمام لا يلزم أن يكون منصوصاً من البارى ، لأن نصبه واجب على العباد كما تقدم ، فتعيين الرئيس مفوض إليهم ، وهو الأصلح لهم . وقالت الإمامية لابد أن يكون منصوصاً من قبله تعالى ، كما أن نصبه واجب عليه تعالى . وهذا مخالف للعقل والنقل : أما الأول فقد مر ، وأما الثاني فلقوله تعالى  وجعلناهم أئمة  ، و  نريد أن نجعلهم أئمة  و  هو الذى جعلكم خلائف في الأرض  إلى غير ذلك ، ولم يكن في احد من تلك الفرق نص بل كان برأى أهل الحد والعقد ، فمعنى الجعل إلقاء أختياره في قلوب مسموعى القول فينصبوه ، فإن عدل فعادل وإلا فجائز . وقد قيس طالوت بعصا الملوك فساواها فملك كما لا يخفى على المتتبع فافهم ، والله تعالى اعلم .
التنبيه الخامس : لا يلزم أن يكون الإمام أفضل أهل العصر عنده تعالى ، إذ قد خلف طالوت ، وداود وشمويل موجودان . نعم لابد لأهل الحد والعقد من نصب الأفضل رياسة وسياسة لا عبادة ودراسة . والشيعة على خلاف هذا . وقد علمت درهم إجمالاً . وأشترطوا ما أشترطوا لنفى الخلافة عن الثلاثة لعدم العصمة والنص ، وفي الأفضلية مجال بحث . وهذه نبذة يسيرة في الرد ، وسيأتى التفصيل في إثبات الخلافة إن شاء الله تعالى .
التنبيه السادس : وهذا أهم التنبيهات : أعلم أن الإمام بعد رسول الله  بلا فصل أبو بكر الصديق بإجماع أهل الإسلام ، وقد تفردت الشيعة بإنكار ذلك وقالوا الإمامة كذلك لعلى t ، وعند أهل الحق له بعد الثلاثة ، ثم لابنه الحسن t ، والصلح لمصالح رآها وهو اللائق بذاته الكريمة لا لخوف من جند كما أفترى المفترون غذ قد ورد في كتب الشيعة خطبة يقول فيها (( إنما فعلت ما فعلت إشفاقاً عليكم )) وقد ثبت في آخرى أوردها المرتضى وصاحب الفصول أنه قال لما انبرم الصلح بينه وبين معاوية (( إن معاوية قد نازعنى حقاً لى دونه ، فنظرت الصلح للأمة وقطع الفتنة . وقد كنتم بايعتمونى على أن تسالموا من سالمنى وتحاربوا من حاربنى ، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ، ولم ارد بذلك إلا صلاحكم )) فهاتان الخطبتان تدلان على ان الصلح للمصلحة لا للعجز وعدم الناصر ، والثانية أيضاً تدل بالصراحة على إسلام الفريق الثاني ، لأن المصالحة لأهل الكفر والردة لمخافة الفتنة لا تجوز ، بل ترك قتالهم وغلبتهم هو الفتنة لقوله تعالى  وقاتلهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين له  وأيضاً قد سبق ما كان يقوله الحسين في صلح الحسن أفنسى أن الضرورات تبيح المحظورات . ثم إظهار الكراهة لخلاف المصلحة المعقولة للكارة لا تكون قبيحة ، وأيضاً الاختلاف بين أكابر الدين في المصالح المنجر إلى عدم الرضا لا يقدح في أحد الجانبين ، فليحفظ . ثم لا يغتر بما يقوله أهل الزور على اهل السنة من انهم يقولونه بخلافة معاوية بعد الشهيد ، وحاشا وكلا ( 1 ) بل هم يقولون بصحة خلافته بعد صلح
 ---------------------------
( 1 ) ومعاوية نفسه t يرى بدء خلافته من يوم مبايعة الحسن t له بالخلافة ، ومع ذلك فإنه في عشرين سنة تقدمت على ذلك مدة الخلافة الصديق والفاروق وذى النورين إلى عام الجماعة كان الحاكم المثالى في العدل والحكمة والسيرة الصالحة ، ثم كان كذلك في عشرين سنة أخرى تولى فيها جميع أمور المسلمين عادلاً مجاهداً فاتحاً صالحاً . روى افمام الحافظ الثقة أبو بكر أحمد بن محمد بن هانى الأثرم المتوفى بعد سنة 270 وكان من أعلام المسلمين قال : حدثنا محمد بن حواش عن أبي هريرة المكتب قال : كنا عند سليمان ابن مهران الأعمش ( المتوفى سنة 148 في خلافة أبي جعفر المنصور ) فذكر عمر ابن عبد العزيز وعدله ، فقال الأعمش : فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا : في حلمه ؟ قال : لا والله ، بل في عدله . وذكر أبو إسحاق السبيعى معاوية فقال : (( لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدى )) .
الحسن إلا أنه غير راشد ( 1 ) والراشدون هم الخمسة ، بل قالوا أنه باغ ( 2 ) .
فإن قلت إذا ثبت بغيه لم لا يجوز لعنه ؟ جوابه : إن أهل السنة لا يجوزون لعن مرتكب الكبيرة مطلقاً ، فعلى هذا لا تخصيص بالباغى لأنه مرتكب كبيرة ايضاً ، على انه إذا كان باغياً بلا دليل ، وأما كان بغيه بالإجتهاد ولو فاسد فلا إثم عليه فضلاً عن الكبيرة ويشهد لهم قوله تعالى
 وأستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات  والآمر بالشئ نهى عن ضده عند الإمامية ، فالنهى عن اللعن واضح . نعم ورد اللعن في الوصف في حق أهل الكبائر مثل قوله تعالى  ألا لعنة الله على الظالمين  وقوله تعالى  فنجعل لعنة الله على الكاذبين  لكن هذا اللعن بالحقيقة على الوصف لأعلى صاحبه ، ولو فرض عليه يكون وجود الإيمان مانعاً والمانع مقدم كما هو عند الشيعة ، وأيضاً وجود العلة مع المانع لا يكون مقتضياً ، فاللعن لا يكون مترتباً على وجود الصفة حتى يرتفع الإيمان المانع ، وقوله تعالى  والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا إنك رءوف رحيم  نص في طلب المغفرة وترك العداوة بحيث جعل على الإيمان من غير تقييد ، ويشهد لهم ما تواتر عن الأمير من نهى لعن أهل الشام ، قالت الشيعة والنهى لتهذيب الأخلاق وتحسين الكلام كما يدل قوله تعالى في هذا المقام (( إنى أكره لكم أن تكونوا سبابين )) ، وأهل السنة يقولون هو مكروه للإمام فينبغي كراهته لنا وعدم محبوبيته وجعله قربة وإن لم نعلم وجه الكراهة .
وايضاً روى في نهج البلاغة عنه t ما يدل صراحة على المقصود ، وهو انه لما سمع لعن اهل الشام خطب وقال (( إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والأعوجاج والشبهة والتأويل )) . فإذا صحت الروايتان في كتب الإمامية حملنا الأولى على من كان يلعنهم بالوصف وهو جائز ، لا مطلقاً بل لمن يبلغ الشريعة كالأنبياء ، إذ قد يستعمل لبيان قباحه تلك الصفات ، وأما الغير في حقه مكروه ، لأنه لو أعتاده لخشى في حق من ليس أهلاً له ، وحملت الثانية على من يلعن أهل الشام بتعيين الأشخاص غافلاً عن منع الإيمان ، فأعملنا الروايتين لأن الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال . وقال بعض علماء الشيعة : البغي غير موجب للعن على قاعدتنا ، لأن الباغى آثم ، لكن هذا الحكم مخصوص بغير المحارب للأمير ،
---------------------------
( 1 ) اى لم يكن من الخلفاء الراشدين .
( 2 ) بل قال الشيعة أكثر من ذلك ، والمؤلف يخاطب الشيعة بعقليتهم ليعود بعد ذلك فينقض كل ما تظاهر به لهم . اما المنصفون من أعلام أمة محمد  فيقولون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ( 3 : 185 ) : (( لم يكن من ملوك الإسلام ملك خيراً من معاوية ، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية ، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده . وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل . وقد روزى أبو بكر الأثرم – ورواه ابن بطة من طريقه – عن محمد بن عمر بن جبله عن محمد بن مروان عن يونس بن عبيد البصرى عن قتادة بن دعامة السدوسى أحد أعلام الإسلام في البصرة أنه قال : (( لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدى )) .
وأما هو فكافر عندنا بدليل حديث متفق عليه عند الفريقين أنه  قال للأمير : (( حربك حربي )) وأنه قال لأهل العبا (( أنا سلم لمن سالمتم حرب لمن حاربتم )) وحرب الرسول كفر بلا شبهة فكذا حرب الأئمة .
قال أهل السنة هذا مجاز للتهديد والتغليط ، بدليل ما حكم الأمير من بقاء إيمان أهل الشام وأخوتهم في الإسلام ، على أن قوله (( حرب الرسول كفر )) ممنوع ، إذ قد حكم على آكل الربا بحرب الله ورسوله معاً قال تعالى  فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله  وعلى قطاع الطريق كذلك قال تعالى  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  الآية فلم لم تحكم الشيعة بكفر هؤلاء ؟
هذا ولنرجع إلى ما كنا فيه ، ولنورد عدة آيات قرآنية وأخبار عن العترة تدل على المرام ، وتوضح المقام . وتفسد أصل الشيعة ، وتبطل هذه القاعدة الشنيعة . وبالله تعالى الاستعانة والتوفيق ، ومنه يرجى الوصول إلى سواء الطريق .
فمن الآيات قوله تعالى  وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما أستخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذى أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً بعبدوننى لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون  . الحاصل أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين – الحاضرين وقت النزول – بالإستخلاف والتصرف ، كما جعل داود  ، الوارد في حقه  ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض  وغيره من الأنبياء ، بإزالة الخوف من الأعداء الكفار والمشركين ، وبأن يجعلهم في غاية الأمن حتى يخشون أحداً إلا الله تعالى ، وبتقويه الدين المرتضى بأن يزوجه ويشيعه كما ينبغي . ولم يقع هذا المجموع إلا زمن الخلفاء الثلاثة لأن المهدى ماكان موجوداً وقت النزول ، والأمير وإن كان حاضراً لكن لم يحصل له رواج كما هو حقه بزعم الشيعة ، بل صار أسوأ وأقبح من عهد الكفار كما صرح به المرتضى في ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) مع أن الأمير كانوا يخفون دينهم خائفين هائبين من أفواج أهل البغي دائماً ( 1 ) . وأيضاً الأمير فرد من الجماعة ، ولفظ الجمع حقيقة في ثلاثة أفراد ففوق ، والأئمة الاخرون لم يوجد فيهم مع عدم قصورهم تلك الأمور كما لا يخفى ، وخلف الوعد ممتنع أتفاقاً ، فلزم أن الخلفاء الثلاثة كانوا هم الموعودين من قبله تعالى بالإستخلاف وأخويه ( 2 ) وهو معنى الخلافة الراشدة المرادفة للإمامة .
 ---------------------------
( 1 ) المؤلف يتكلم بلغة الدين يخاطبهم من الشيعة كما تقدم التنبيه على ذلك ليتمكن من نقض مزاعمهم وإبطالها .
( 2 ) وهما ان يمكن الله لهم دينهم الذى أرتضى لهم ، أن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً .
وقال الملا عبد الله المشهدى في ( إظهار الحق ) : بعد الفحص الشديد يحتما أن يكون (( الخليفة )) بالمعنى اللغوى و (( الاستخلاف )) الإتيان بأحد بعد آخر كما ورد في حق بنى إسرائيل  عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض  والمعنى الخاص مستحدث بعد الرحلة . جوابه : أن الاستخلاف غير مستعمل في الكلام بالمعنى اللغوى ، والقاعدة الأصولية للشيعة أن الألفاظ القرآنية ينبغي أن تحمل على المعاني الاصطلاحية الشرعية حتى الإمكان ، لا على المعاني اللغوية . وإلا فالشرعية كلها تفسد ولا يثبت حكم كما لا يخفى . وأيضاً كيف يصح تمسكهم بحديث (( أنت منى )) الخ المنضم إليه (( أخلفنى في قومى )) وكيف التمسك بحديثهم (( يا على خليفتى من بعدي )) ؟ ولقد سعى المدققون من الشيعة في الجواب عن هذه الأية ( 1 ) وتوجيهها ، وأحسن الأجوبة عندهم اثنان : الأول أن (( من )) للبيان لا للتعبيض ، و (( الاستخلاف )) الاستيطان . قلنا : حمل (( من )) الداخلة على الضمير على البيان مخالف للاستعمال وبعيد عن المعنى في الآية الكريمة وإن قال به البعض ، سلمنا لكن لا يضرنا لأن المخاطبين هم الموعودون بتلك المواعيد وقد حصلت لهم ، إلا أن الاستخلاف غير معقول للكل حقيقة ، فالحصول للبعض حصول للكل باعتبار المنافع . وأيضاً قيد (( أعملوا الصالحات )) وكذا (( الإيمان )) يكون عبثاً إذ الاستيطان يحصل للفاسق وكذا الكافر . وأيضاً حاشا القرآن من العبث . الثاني أن المراد الأمير فقط وصيغه الجمع للتعظيم أو مع أولاده خوف . قلنا يلزم تخلف الوعد كما لا يخفى ، إذ لم يحصل لأحد منهم تمكين دين وزوال خوف ، والناس شاهدة على ذلك . وأنظر ايها المصنف الحصيف واللوذعى الشريف إلى ما قاله الإمام مما ينسحم عندهم ( 2 )  أن عمر بن الخطاب لما أستشار الأمير عند أنطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال ، إجابه (( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله تعالى الذى أظهره ، وجنده الذى أعده وأمده ، حتى بلغ ما بلغ وطلع ، ونحن على وعد من الله تعالى حيث قال عز أسمه  وعد الله الذين أمنوا  وتلا الآية منجز وعده وناصر جنده . ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن أنقطع النظام تفرق الخرز ، ورب متفرق لم يجتمع ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض أنتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات
-------------------------
( 1 )  آية  وعد الله الذين منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض  .
( 2 ) تقدم في هامش ص 58 أن المرتضى أعان أخاه الرضى على توسيع الخطب والأقوال المنسوبة لأمير المؤمنين كرم الله وجهه ، وأنهما كانا يعمدان إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها من هوى الشيعة ما تواتيهما عليه القريحة من ذم الصحابة أو دس العقائد الملتوية . ففي نهج البلاغة الكثير من كلام الإمام ، ولكن فيه الأكثر من دسائس المرتضى والرضى .
أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب فإذا قطعتموه أسترحتم ، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك . فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكرم لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكرهه . وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة )) أنتهى بلفظه . فتدبر فقد أرتفع الإشكال واتضح الحال والحمد لله رب العالمين .
                ومنها قوله تعالى  قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً ، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً  المخاطب بهذه الآية بعض القبائل ممن تخلف عن الرسول  في غزوة الحديبية لعذر بارد وشغل كاسد ، وقد أجمع الفريقان أنه لم يقع بعد نزول هذه الآية إلا غزوة تبوك ، ولم يقع فيها إلا القتال ولا الإسلام ، فتعين الغير ، والداعى ليس جناب الرسول عليه الصلاة والسلام لا محالة ، فلابد أن يكون خليفة من الخلفاء الثلاثة الذين وقعت الدعوة في عهدهم كما في عهد الخليفة الأول لمانعى الزكاة اولاً وأهل الروم آخراً ، وفي عهد الخليفة الثاني والثالث كما لا يخفى على المتتبع . فقد صحت خلافة الصديق لأن الله تعالى وعد وأوعد ، ورتب كلا على الإطاعة والمعصية . فهلا يكون ذلك المطاع المنقاد له بالوجود إماماً ؟ المنصف يعرف ذلك . وقد تخبط ابن المطهر الحلى وقال : يجوز أن يكون الداعى الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوات التى وقع فيها القتال ، ولم ينقل لنا . وإذ فتح هذا الباب يقال كذلك : يجوز عزل الأمير بعد الغدير ونصب ابي بكر وتحريض الناس على أتباعه ، ولم ينقل لنا . فأنظر وتعجب . وقال بعضهم : الداعى هو الأمير ، فقد دعا إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين . ويقال فيه : إن قتل الأمير إياهم لم يكن لطلب الإسلام بل لا نتظام أحوال الإمام ، ولم ينقل في العرف القديم والجديد أن يقال لإطاعة الإمام
(( إسلام )) ولمخالفته (( كفر )) . ومع هذا نقل الشيعة روايات صحيحة عن النبي  في حق الأمير أنه قال : إنك يا على تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . وظاهر أن المقاتلة على تأويل القرآن لا تكون إلا بعد قبول تنزيله ، وذلك لا يعقل بدون الإسلام ، بل هو عينه ، فلا يمكن المقاتلة على التأويل على الإسلام بالضرورة وهو ظاهر .
ومنها قوله تعالى  يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم  مدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة الذين قالوا المرتدين بأكمل الصفات وأعلى المبرات ، وقد وقع ذلك من الصديق وأنصاره بالإجماع ، لأن ثلاث فرق قد أرتدوا في آخر عهده  : الأولى بنو مدلج قوم اسود العنسى ذى الخمار الذى ادعى النبوة في اليمن وقتل على يد فيروز الديلمى ، الثانية بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب المقتول في أيام خلافة الصديق على يد وحشى ، الثالثة بنو أسد قوم طليحة بنى خويلد المتنبي ولكنه آمن بعد ان أرسل النبي  خالداً وهرب منه إلى الشام . وقد أرتد في خلافة الصديق سبع فرق : بنو فرازة قوم عيينة بن حصن ، وبنو غطفان قوم قرة بن سلمة ، وبنو سليم قوم ابن عبد ياليل ، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة ، وبعض بنى تميم قوم سجاج بنت المنذر ، وبنو كندة قوم أشعث بن قيس الكندى ، وبنو بكر في البحرين . وأرتدت فرقة في زمن عمر t والتحقت بالنصارى إلى الروم . وقد استأصل الصديق كل فرقة وأزعجهم واستردهم إلى الإسلام كما أجمع عليه المؤرخون كافة . ولم يقع للأمير ذلك ، بل كان متحسراً على ما هنالك ، وكم قال (( أبتليت بقتال أهل القبلة )) كما رواه الإمامية ، وتسمية منكرى الإمامة مرتدين مخالفة للعرف القديم والحديث . على أن المنكر للنص غير كافر ( 1 ) كما قال الكاشى وصاحب الكافى ، وأنظر إلى ما قال الملا عبد الله ( 2 ) صاحب ( إظهار الحق ) ما نصه : (( فإن قيل ( 3 ) فإن لم يكن النص الصريح ثابتاً كما في باب خلافة الأمير فالإمامية كاذبون ، وإن كان لزم أن يكون جماعة الصحابة مرتدين والعياذ بالله تعالى ، أجيب : إن إنكار النص الذى هو موجب للكفر إنما هو اعتقاد أن الأمر المنصوص باطل وإن كذبوا في ذلك التنصيص رسول الله  ، حاشا . أما لو تركوا الحق مع علمهم بوجوبه للأغراض الدنيوية وحب الجاه فيكون ذلك من الفسوق والعصيان لا غير )) ثم قال (( فالذين أتفقوا على خلافة الخليفة الأول لم يقولوا إن النبي  نص عليها لأحد أو قال بما لا يطابق الواقع فيها ، معاذ الله ، بل منهم من أنكر بعض الأحيان تحقق النص ، وأول بعضهم كلام الرسول  تأويلاً بعيداً )) أنتهى كلامه . وأيضاً قال الأمير في بعض خطبه المروية عنه عندهم (( أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل )) وأيضاً قد منع السب كما تقدم ، وسب المرتد غير منهى عنه . قطعنا النظر وسلمنا أن الأمير قال المرتدين ، فالمقاتل لهم زمن الخليفة الأول شريك في المدح ايضاً ، وإلا لزم الخلف
---------------------------
( 1 ) أي عند الشيعة . والمؤلف يخاطبهم في هذا الكتاب باسلوبهم وعقليتهم وأدلتهم وبالمسلمات عندهم .
( 2 ) هو المشهدي الشيعي الذى تقدم ذكره في ص 126 وسيأتى في ص 144 .
( 3 ) أى إذا قال أهل السنة .
لعموم من في الشرط والجزاء كما تقرر في الأصول . والمقاتل هو ( 1 ) وأنصاره لا الأمير ، إذ لم يدافع أحداً منهم ولا عساكره ، إذ هم ( 2 ) غير موصوفين بما ذكر ، فلكم (( أنبئت بسراً قد أطلع اليمن ، وإنى والله لا أظن هؤلاء القوم سيدالون منكم ( 3 ) باجتماعهم على باطلهم وتفركم عن حقكم . وبمعصيتكم إمامكم في الحق ، وطاعتهم إمامهم في الباطل . وبأدائهم الأمانة إلى أصحابهم . وخيانتكم ، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم . فلو أئتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته . اللهم قد مللنهم وملونى وسئمتهم وسئمونى ، فأبدلنى خيراً منهم وأبدلهم بي شراً منى . اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح بالماء . لوددت والله لو أن لى بكم ألف فارس من بنى فراس بن غنم :
                هنالك لو دعوت أتـاك منهم              فروارس مثل أرمية الحميم
                ويقول في خطبة أخرى : أحمد الله على ما قضى من أمر ، وقدر من فعل ، وعلى ابتلائى بكم ايتها الفرقة التى إذا أمرت لم تطع ، وإذا دعوت لم تدب . ثم قال بعد كلام : وإنى لصحبتكم قال وبكم غير كثير ألخ . والنهج مملوء من أمثال هذه الكلمات ، ومحشو من مثل هذه الشكايات . فأنظر هل يمكن تطبيق الأوصاف القرآنية على هؤلاء الأقوام ( 4 ) وهل يجتمع النقيضان ( 5 ) ! وكلام الله كاذب ، أم كلام الإمام ؟ وأيضاً يستفاد من سياق الآية وسباقها أن فتنة المؤمنين وتقويهم ، ولإزالة خوفهم من المرتدين وفتنتهم ، ولم تنته مقالات الأمير إلا إلى الضد كما لا يخفى .
                هذا وبقيت ىيات كثيرة وأدلة غزيرة تركناها أكتفاء بما ذكرناه ، واعتماداً على أن المنصف يكفيه ما سطرناه .
                وأما أقوال العترة فمنها ما أورده المرتضى في ( نهج البلاغة ) عن أمير المؤمنين من كتابه الذى كتبه إلى معاوية وهو : أما بعد فإن بيعتى يا معاوية لزمتك وأنت بالشام ، فإنه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وعلى ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا ، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن آبى قاتلوه على
------------------------
( 1 ) أى الخليفة الأول .
( 2 ) أى عساكر الأمير كرم الله وجهه .
( 3 ) أى سيعطيهم الله الغلبة عليكم .
( 4 ) يعنى الأوصاف الواردة في الأية  فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه . أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ….  .
( 5 ) أى ذم أمير المؤمنين شيعته وجنده ، والوصف القرآني الوارد في الآية .
أتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى . ومنتهى ما أجاب الشيعة عن أمثال هذه انه من مجاراة الخصم ودليل الزامى ، وهو تحريف لا ينبغي لعاقل ، ولا يليق بفاضل ، إذ فيه غفلة وإغماض عن أطراف الكلام الزائدة على قدر الإلزام ، إذ يكفى فيه بيعة أهل الحل والعقد كما لا يخفى . وأيضاً الدليل الإلزامى مسلم عند الخصم ، ومعاوية لا يسلم ما ذكر ويرشدك إلى ذلك كتبه إلى الأمير كما هو مذكور عند الإمامية وغيرهم ، فمذهبه كما يظهر منها أن كل مسلم قرشى مطلقاً إذا كان قادراً على تنفيذ الأحكام وإمضاء الجهاد وحماية حوزة الإسلام وحفظ الثغور ودفع الشرور وبايعه جماعة من المسلمين من أهل العراق أو من أهل الشام أو من المدينة المنورة فهو الإمام . وإنما لم يتبع الأمير لاتهامه له بقتله عثمان ( 1 ) وحفظ أهل الجور والعصيان ، وكان يعتقده قادراً على تنفيذ الأحكام وأخذ القصاص الذى هو من عمدة أمور شريعة سيد الأنام وذلك بزعمه ومقتضى فهمه . ومن أجلى البديهات أن بيعة المهاجرين والأنصار التى لم تكن خافية على معاوية قط لو حبسها معتداً بها لم يذكر في مجالسه ومكاتيبه قوادح الأمير ، بل خطأ تلك البيعة أيضاً بالصراحة كما هو معروف من مذهبه على ما لا يخفى على الخبير . فما ذكر في مقابلته من بيعة المهاجرين والأنصار دليل تحقيقى مركب من المقدمات الحقة فيثبت المطلوب .
                ومنها ( 2 ) ما في ( النهج ) أيضاً عن الأمير (( لله بلاد ابي بكر لقد قوم الأود ، وداوى العلل ، وأقام السنة ، وخلف البدعة ، وذهب نقى الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها واتقى شرها ، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدى فيها الضال ، ولا يستيقن المهتدى )) . وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظاً لمذهبه لفظ (( أبي بكر )) وأثبت بدله (( فلان)) وتأبي الأوصاف إلا أبا بكر ، ولهذا الإبهام أختلف الشراح فقال البعض هو ابو بكر وبعض هو عمر ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها ، فناهيك به وناهيك بها . وغاية ما أجابوا أن مثل هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالشيخين أشد الاعتقاد ، ولا يخفى على المنصف أن فيه ( 3 ) نسبة الكذب لغرض دنيوى مظنون الحصول ، بل كان اليأس منه ( 4 ) وفي الحديث الصحيح (( إذا مدح الفاسق غضب الرب )) ، وأيضاً أية ضرورة تلجئه إلى هذه التأكيدات والمبالغات ؟ وكان يكفيه أن يقول : لله بلاد فلان قد جاهد الكفر والمرتدين ، وشاع بسعيه الإسلام ، وقام عماد المسلمين ، ووضع الجزية ، وبنى
--------------------------
( 1 ) أى وجودهم في نطاق حكمه دون أن يقام عليهم الحد الشرعي .
( 2 ) من أقوال العترة .
( 3 ) أى في هذا التعليل البارج من الشيعة .
( 4 ) أى إلا عن أعتقاد بصدق ما يقوله .
المساجد ، ولم تقع في خلافته فتنة ولا بقى فيها معاند . ونحو ذلك . وفرق بين هذا والسلوك في هاتيك المسالك . وأيضاً في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج للباطل ، وذلك محال من المعصوم ( 1 ) ، بل كان الواجب عليه بيان الحال لمن بين يديه بموجب الحديث الصحيح ( 2 )
(( أذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس )) فأنظر وأنصف . وأجاب بعض الإمامية أن المراد من (( فلان )) رجل من الصحابة مات في عهد النبي   واختار هذا القول الراوندى ، وأنظر هل يمكن لغيره  في زمنه الشريف تقويم الأود ، ومداواة العلل وإقامة السنة وغيرها ؟ وهل يعقل أن رجلاً مات وترك الناس فيما ترك والنبي  موجود بنفسه وذاته الأنيسة ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وزور جسيم . وقال البعض : غرض الإمام من هذه العبارة توبيخ عثمان والتعريض به ، فإنه لم يذهب على سيرة الشيخين . وفيه : أما اولا فالتوبيخ يحصل بدون هذه الكذبات فما الحاجة إليها ؟ وأما ثانياً فسيرة الشيخين إن كانت محمدودة فقد ثبتت إمامتها وإلا فالتوبيخ (( أنا الغريق فما أخشى من البلل )) . ومنها ما نقله على ابن عيسى الأربلى الأثنا عشرى ( 3 ) في كتابه ( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) أنه (( سئل الإمام أبو جعفر عن حلية السيف هل تجوز ؟ فقال : نعم ، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة . فقال الراوى : أتقول هذا ؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال : نعم الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة )) ومن الثابت أن مرتبة الصديقية بعد النبوة ، ويشهد لها القرآن ، والآيات كثيرة ، منها قوله تعالى  فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً  ولا أقل من كونها صفة مدح فوق الصالح ، وإذا قال المعصوم ( 4 ) في رجل أنه صالح أرتفع عنه أحتمال الجور والفسق والظلم والغضب ، وإلا لزم الكذب وهو محال ، فكيف يعتقد فيه غضب الإمامة وتضييع حق الأمة ؟ ولعمرك المعتقد داخل في عموم هذا الدعاء ، ويكفيه جزاء . وغاية ما أجابوا أنه (( تقية )) وانت تعلم ان وضع السؤال يعلم منه أن السائل شيعي ، فلم التقية منه وهذا التأكيد ؟ وبعضهم أنكر هذا الكلام ، والنسخ شاهدة لنا وإن لم يوجد في البعض فالبعض الآخر كاف ، والنسخ كثيرة والروايات في هذا الباب أكثر والله أعلم .
---------------------------
( 1 ) نذكر القارئ بان المؤلف يجارى القوم بما فيه إلزام لهم مما يعتقدونه ويسلمون بصحته .
( 2 ) أورد ابن الدبيع الشيباني هذا الحديث في كتابه ( تمييز الطيب من الخبيث ، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ) ص 16 طبعة مصر سنة 1347 متابعاً شيخه الشمس السخاوى في كتاب ( المقاصد الحسنة ) وقال أخرجه أبو يعلى وغيره ، ولا يصح ( أى لا يبلغ درجة الصحة ) . وأورده العجلونى في ( كشف الخفا والالباس ) من رواية أبن ابي الدنيا وابن عدى والطبراني والخطيب من حديث معاوية بن أبي حيدة ، ثم نقل قول ابن الدبيع إنه لا يصح . والإمام أحمد لم يثبت هذا الحديث في أحاديث معاوية بن أبي حيدة التى أوردها في أوائل الجزء الخامس من مسنده الطبعة الأولى .
( 3 ) من صناديد متعصبي الشيسعة في القرن السابع الهجرى ، له ترجمة في روضات الجنات ص 386 الطبعة الثانية .
( 4 ) أي في اعتقاد الخصم .
ولنذكر بعض الأدلة المأخوذة من الكتاب وأقوال العترة الأنجاب مما يوصل إلى المطلوب بأدنى تأمل :
الأول أن الله تعالى ذكر جماعة الصحابة الذين كانوا حاضرين حين انعقاد خلافة أبي بكر الصديق وممدين له وناصرين له في أمور الخلافة ملقباً لهم في مواضع من تنزيله قال تعالى  أولئك هم الفائزون  وقال تعالى  رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك هم الصادقون  وقال تعالى  حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان  فإجماع مثل هؤلاء الأقوام على منشأ الجور والآثام محال وإلا لزم الكذب وهو كما ترى .
الثاني أن الله تعالى وصف الصحابة y بقوله عز اسمه  حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان  فكيف يرتكبون ذلك فيلزم الخلف وهو محال .
الثالث أن الله تعالى قال في المهاجرين  أولئك هم الصادقون  بعد قوله سبحانه  للفقراء المهاجرين  الآية وجميعهم قائلون بخلافة الصديق ، ولو لم تكن حقة لزم الخلف في الآية وهو محال .
الرابع أن جماعة كثيرين من الصحابة قد وقع اتفاقهم على خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكل ما يكون متفقاً عليه لجماعة الأمة فهو حق وخلافة باطل بما ذكره الرضى في ( نهج البلاغة ) مروياً عن الأمير في كلام له (( إلزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب )) .
الخامس أن قوماً جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقتلوا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وأقاربهم ولم يراعوا حقهم نصرة لله تعالى ورسوله  وقد حضروا هذه البيعة ولم يخالفوا فلا بليق بهم ما نسب وكيف يرضى بذلك العاقل .
السادس أن أمير المؤمنين لما سئل عن أحوال الصحابة الماضين وصفهم بلوازم الولاية وقال كما في ( نهج البلاغة ) : (( كانوا إذا ذكروا الله صمت أعينهم حتى تبل جباههم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء للثواب )) وقال أيضاً (( كان أحب اللقاء إليهم لقاء الله وإنهم يتقلبون على مثل الجمر من ذكر معادهم )) فالانكار من هؤلاء والإصرار على مخالفة الله والرسول  من المحالات .
السابع ما ذكر في الصحيفة الكاملة للسجاد من الدعاء لهم ومدح متابعيهم ولا احتمال للتقية في الخلوات وبين يدي رب البريات ونصه (( اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون  ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان  خير جزائك الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا في قفو أثرهم والائتمام بهداية منارهم يدينون بدينهم على شاكلتهم لم يتهم ريب في قصدهم ولم يختلج شك في صدورهم )) إلى آخر ما قال فالاصرار من هؤلاء الأخبار على كتمان الحق وتجويز الظلم والجور على عترة سيد الخلق  لا يقول به عاقل ولا يفوه به كامل .
الثامن ما أورده الكليني في الكافي في باب السبق إلى الإيمان (1) بروايات أبي عمرو الزبيري عن أبي عبدالله  أنه قال (( قلت له إن الإيمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله . قال نعم . قلت صفة لي رحمك الله حتى أفهمه ، قال : إن الله سبق بين المؤمنين كما يستبق بالخيل يوم الرهان ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه ولا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقاً ولا مفضول فاضلاً تفاضل بذلك أوائل الأمة وأواخرها . ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق إذا للحق آخر هذه الأمة وأولها نعم ولتقدموهم إذ لم يكن لمن سبق إلى الإيمان على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الإيمان قدم الله السابقين وبالأبطاء عن الإيمان أخر الله المؤخرين لأنا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر علماً من الأولين وأكثرهم صلاة وصوماً وحجاً وزكاة وجهاداً وإنفاقاً ولو لم تكن سوابق يفضل الله بها المؤمنين لكان الآخرون بكثرة العمل متقدمين على الأولين ولكن أبي الله عز وجل أن يدرك آخر درجات الإيمان أولها ويقدم فيها من أخر الله أو يؤخر فيها من قدم الله . قلت : أخبرني عما ندب الله عز وجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان . فقال : قول الله عز وجل  سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله  وقوله تعالى  السابقون السابقون أولئك المقربون  وقوله تعالى  والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه  فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم ثم ثني بالأنصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ثم ذكر ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض فقال عز من قائل  تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات  الآية وقال تعالى   ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض  وقال تعالى  انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض  وقال تعالى  وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً  إلى آخر الحديث وقال في آخره (( فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عند الله عز وجل )) . فقد علم من هذا الحديث أن المهاجرين والأنصار كانوا في أعلى الدرجات من الإيمان ولم يصل غيرهم إلى ما وصلوا لقوله تعالى   أولئك
----------------------
( 1 ) ص 164 طبعة إيران سنة 1278 .
المؤمنون حقاً  وقوله تعالى  لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل  الآية فكيف يصدر ممن كانوا كذلك الإصرار على مالا يرضاه الله تعالى من المسالك ؟
التاسع أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قد مدح الشيخين ودعا لهما حسبما ثبت عند الفريقين وقد نقل شراح نهج البلاغة كتاب الأمير إلى معاوية وقد قال فيه بعد ما ذكر أبا بكر وعمر (( لعمري إن مكانيهما لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمها الله تعالى وجزاهما بأحسن ما عملا )) فكيف يتصور صدور مثل ذلك عن المعصوم لو كانا غاصبين ظالمين ؟! معاذ الله من ذلك ، ونسأله سبحانه العصمة عما يعتقده أولئك .
هذا والكتب ملأى من أمثال هذه العبارات والأدلة القطعيات . وفيما ذكر كفاية لمن حلت بقلبه الهداية . والسلام على من اتبع الهدى ، وخشى عواقب الردى .
وههنا كلام مفيد شريف ، وبحيث رائق لطيف : أعلم أن الشيعة أستدلوا على إثبات إمامة الأمير بلا فصل بدلائل كثيرة وتحقق بعد الفحص والتفتيش في كتبهم أن أكثرها قائمة في غير محل النزاع ، وأنها مسروقة من أهل السنة . وتحقيق ذلك أن دلائلهم في هذا المطلب ثلاثة أقسام : الأول الآيات والأحاديث الدالة على فضائل الأمير وأهل البيت ، وقد أستخرجها أهل السنة في مقابلة الخوارج والنواصب الذين تجاسروا على الأمير t ونسبوا إليه ما هو برئ منه ، وذكروها في معرض الرد عليهم . والشيعة قد أوردوا تلك الدلائل في إثبات إمامة الأمير t بلا فصل ، وقصدوا بذلك الرد على أهل السنة . ولما جاء المتأخرون وقد أخذوا من اهل السنة والمعتزلة شيئاً من علم الأصول والكلام وحصل لهم نوع ما من الملكة والقدرة على الخصام ، غيروا الأدلة التى كانت هدفاً للأعتراضات والأسئلة وأصلحوها بزعمهم بعض المقدمات ، وزيادة ما أشتهوه من موضوع الروايات ، وما دروا أن ذلك زاد في الفساد ، وأبطل لهم المقصود والمراد ، ورجعوا إلى ما فروا منه ، ووقعوا فيما أنهزموا عنه ، وأكثر دلائلهم من هذا القبيل .
الثاني الدلائل الدالة على إمامة الأمير بكونه خليفة بالحق وإماماً بالإطلاق في حين من الآحيان ، وقد أقامها ايضاً أهل السنة في مقابلة المذكورين المنكرين لإمامته ، وما يستفاد منها إلا كون الأمير مستحقاً للخلافة الراشدة بلا تعيين وقت ولا تنصيص باتصال زمانها بزمان النبوة أو أنفصاله عنه . ولا ينبغي لأهل السنة أن يتصدوا لرد هذه الدلائل وجوابها فإنها عين مذهبهم .
الثالث الدلائل الدالة على إمامته بلا فصل مع سلب أستحقاق الإمامة عن غيره من الخلفاء الراشدين ، وهذه الحقيقة مختصة بمذهب الشيعة ، وهم منفردون باستخراجها ، وهي مخدوشة المقدمات كلها ، بحيث يكذب مقدماتها الثقلان : الكتاب ، والعترة . فنحن نذكر في هذه الرسالة بعضها من القسمين الأولين ، ونبين القسم الأخير بالاستيعاب والاستيفتاء ، وننبه فيها على منشأ الغلط وموقعه لتعلم حقيقة دلائلهم .
ولا يخفى أن مقدمات تلك الدلائل ومبادئها لابد أن تكون مسلمة الثبوت عند أهل السنة ، إذ الغرض من إقامتها إلزامهم ، فعلى هذا إما أن تكون تلك الدلائل من لآيات الكتاب والأحاديث المتفق عليها أو الدلائل العقلية المأخوذة من المقدمات المسلمة عند الفريقين ، أو من مطاعن الخلفاء الثلاثة التى يوردونها .
وأما المطاعن فسيأتى الكلام عليها في باب مفرد .
أما الأيات فمنها قوله تعالى  إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون  تقرير أستدلالهم بهذه الأية ما يقولون من أن أهل التفسير أجمعوا على نزولها في حق الأمير ( 1 ) إذ أعطى السائل خاتمه في حالة الركوع ( 2 ) وكلمة ( إنما ) مفيدة للحصر ، ولفظ ( الولى ) بمعنى المتصرف في الأمور . وظاهر أن المراد ههنا التصرف العام في جميع المسلمين المساوى للإمام بقرينه ضم ولايته إلى ولاية الله ورسوله فثبتت إمامته وأنتفت إمامة غيره للحصر المستفاد وهو المدعى . أجاب عنه أهل السنة بوجوه : الأول النقض بأن هذا الدليل كما يدل على نفى إمامة الأئمة المتقدمين كما قرر يدل كذلك على سلب الإمامة عن الأئمة المتأخرين بذلك التقرير بعينه ، فلزم أن السبطين ومن بعدهما من الأئمة الأطهار لم يكونوا أئمة . فلو كان استدلال الشيعة هذا يصح لفسد تمسكهم بهذا الدليل ، إذ لا يخفى أن حاصل هذا الاستدلال بما يفيد في مقابلة أهل السنة مبنى على كلمة الحصر ، والحصر كما يضر أهل السنة يكون مضراً للشيعة ايضاً ، لأن إمامة الأئمة المتقدمين والمتأخرين كلهم تبطل به البتة . ومذهب أهل السنة وإن بطل بذلك لكن مذهب أهل الشيعة أزداد في البطلان أكثر منه ، فإن لأهل السنة نقصان الأئمة الثلاثة ، وللشيعة نقصان أحد عشر إماماً ، ولم يبق إماماً سوى الأمير . ولا يمكن أن يقال الحصر
----------------------------
( 1 ) دعوى الإجماع باطلة . وقد روى ابن جرير الطبرى ( 6 : 186 ) عن ابن أسحاق عن والده اسحاق بن يسار أنها نزلت في عبادة بن الصامت t لبراءته من حلف بنى قينقاع لما حاربوا النبي  فمشى عبادة إلى النبي  وخلع بنى قينقاع وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وولايتهم ، ففيه نزلت الآية لأنه قال : أتولى الله ورسوله والذين أمنوا .
( 2 ) قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : (( وأما قوله  وهم راكعون  فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله ويؤتون الزكاة  أى في حال ركوعهم ، ولو كان كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح ، وليس الآمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أهل الفتوى . وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن على بن أبي طالب أن هذه الأية نزلت فيه ، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه ( وبعد أن أستعرض روايات من يروى ذلك قال : ) وليس يصح شئ منها بالكلية لضعف اسانيدها وجهالة رجالها . ثم نقل عن الطبرى أن عبد الملك سأل أبا جعفر  عن هذه الأية : من الذين آمنوا ؟ قال أبو جعفر : الذين آمنوا . قلنا : بلغتا أنها نزلت في علي بن ابي طالب . قال : علي من الذين آمنوا . فإذا كان محمد الباقر وهو حفيد على بن أبي طالب يقول هذا ، فمن الفضول التزيد عليه لشهوة تحميل الآية مالا تحتمله من تجريح خلافة المسلمين ، وإيذاء علي بن أبي طالب في إخوانه الذين عاش ومات على محبتهم وولا يتهم .
إضافى بالنسبة إلى من تقدمه ، لأنا نقول : إن حصر ولاية من أستجمع هذه الصفات لا يفيد إلا إذا كان حقيقياً ، بل لا يصح لعدم أستجماعها فيمن تأخر عنه كما لا يخفى .
وإن أجابوا عن هذا النقص بأن المراد حصر الولاية في جنابه في بعض الأوقات – يعني في وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهما – قلنا فمذهبنا أيضاً هذا أن الولاية العامة محصورة فيه وقت إمامته لا قبله وهو زمن خلافة الخلفاء الثلاثة . فإن قالوا أن الأمير لو لم يكن في عهد الخلفاء الثلاثة صاحب ولاية عامة يلزمه نقص بخلاف وقت إمامة السبطين فإنه لم يكن حياً لم تصر إمامة غيره موجبة للنقص في حقه ، لأن الموت دافع لجميع الأحكام الدنيوية . قلنا : هذا استدلال آخر غير ما هو بالآية ، لأن مبناه على مقدمتين : الأولى أن كون صاحب الولاية العامة في ولاية الأخر ولو في وقت من الأوقات نقص له ، الثانية أن صاحب الولاية العامة لا يلحقه نقص بأى وجه وأى وقت كان . وهاتان المقدمتان أنى تفهمان من الآية ؟ وتسمى هذه الصنعة في عرف المناظرة فراراً ، بأن ينتقل من دليل إلى دليل آخر من غير أنفصال المناقشة في مقدمات الدليل الأول فراراً أو إثباتاً . سلمنا وأغمضنا عن هذا الفرار أيضاً ، ولكن نقول : إن هذا الاستدلال أيضاً منقوض بالسبطين ، فإنهما في زمن ولاية المير لم يكونا مستقلين بالولاية بل كانا في ولاية الآخر وايضاً منقوض بالأمير في عهد النبي  كان كذلك فلا نقض لصاحب الولاية العامة بكونه في بعض الأوقات في ولاية الآخر ، ولو كان نقصاً بالغرض للحق صاحب الولاية العامة أيضاً فبطل الاستدلال الذى فروا إليه بجميع المقدمات .
يتبع في الوفقة الرابة بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق